يأتي استنجاد رئيس وزراء العدو نتنياهو بوزير الخارجية الأميركي جون كيري والطلب منه تحقيق هدنة في أسرع وقت ممكن، تعبيرا عن حجم المأزق الذي وقع فيه هو وحكومته في غزة، لقد فقد نتنياهو بنك أهدافه، ومنذ أن أطلق أولى قذائفه تبين أنه لم يكن هنالك هدف عسكري، فاستخباراته لم تعرف أين مواقع المقاتلين وصواريخهم وكيف هي حال الأنفاق التي هي عبارة عن غزة أخرى تحت الأرض، ومنذ حرب العام 2006 بين حزب الله وإسرائيل أصبح هنالك في الأكاديميات العسكرية دراسة جديدة اسمها باطن الأرض ولذلك لم يعد أمام نتنياهو سوى مواصلة قتل الأبرياء من أطفال ونساء ومسنين، مما يجعله وحكومته عرضة للإدانة من قبل الرأي العام العالمي، مالم يسارع أصدقاؤه وحلفاؤه لإنقاذه من ورطته.
لقد تاه الإسرائيلي في البحث والتنقيب، فقد ظن أن المسألة تتعلق بعدد من الأنفاق، فإذا بغزة كلها يعيش مقاوموها ونفوذها العسكري وإمكانياتها وكل ماتملكه في باطن الأرض. ظهر ذلك في التصدي البطولي للآلة الحربية الإسرائيلية، ومن ثم في قدرة المقاتل الغزاوي على الوصول إلى قلب الجيش الإسرائيلي عن طرق الأنفاق أيضا.
ومع هذا الفشل لجيش الاحتلال، فكان الأبرياء مرة ومرات الهدف التعبيري عن قلة دراية قادة إسرائيل العسكريين ومخابراتهم والسياسيين، فقد كان القتال في الميدان صورة مشرفة لمعركة يخسر فيها الإسرائيلي كل يوم، وكلما حاول اختيار هدنة لساعات، كانت غزة حاضرة بصواريخها، لقد قيل أن نتنياهو كان يبحث فعليا عن هدنة طويلة لكن بدون أي سقف سياسي، ولأن غزة كان هدفها كما قال قائد كتائب القسام المناضل محمد الضيف وقف القتال لكن فك الحصار، ومفهومه ليس فقط معبر رفح، فإضافة إليه، هنالك المسافة البحرية التي تفرضها إسرائيل ستة كيلومترات في حين تسعى غزة لأن يكون خاضعا للقانون الدولي، ثم فتح مطار غزة، وفك الحصار الإسرائيلي عن المعابر الأخرى وإعادة إعمار ماتهدم، رفضت غزة أية هدنة لاتحقق هذا الهدف.
على هذا الأساس كانت الهدنات مجرد فقاقيع اعلامية من قبل الاسرائيلي وان كان لسان حال نتنياهو يتمناها فورا، فيما تحملت قيادة غزة كل حالة الفتك بشعبها رافضة التخلي عن أي بند من بنودها السياسية والسيادية، وهي اليوم أكثر تمسكا بها، رغم أن الاسرائيلي الذي لم يعد له بنك اهداف، تحول منذ الايام الثلاثة الاولى للحرب إلى ممارسة جرائمه المعتادة بارتكاب المجازر ضد المدنيين، دون ان يستثني المستشفيات، ومدارس الأونروا التي صب جام قذائفه على إحداها في جباليا أمس، ولم يكن مفاجئا قيام جيش الاحتلال بقصف هدف مثل هذا، حيث ذهب ضحية هذه الجريمة عشرات الشهداء والجرحى، فقد عودنا هذا العدو على قيامه بارتكاب مثل هذه الجرائم فهو كان قبلها قد قتل اثنين من القوى الدولية العاملة في غزة، وتذكرنا مجزرة الأونروا الغزاوية بمجزرة قانا الأولى في لبنان التي لجأ فيها الأهالي بحماية القوات الدولية فإذا بالعدو الصهيوني يحولهم إلى هدف ذهب ضحيته آنذاك اكثر من مائة شهيد.
وحتى كتابة هذه السطور فان بادرة حل لم تظهر حتى الآن، ويستدل من ملامح وجه نتنياهو المضطربة والخائفة أنه أمام أزمة خطيرة يقوم عليها مستقبله السياسي، فهو بحاجة لعناية أميركية تخرجه من المأزق، في الوقت الذي لم تلب أميركا طموحاته، فصار وحيدا في الميدان يلهث وراء سراب، وعليه بالتالي أن يؤمن مخرجا لائقا يبعد عنه الكأس المرة، لقد صار جل مستقبله السياسي مرهونا بكيفية انتشاله من الورطة التي وقع فيها والتي تزداد سوءا كلما طال أمد الحرب.