[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
أن ينتحل عراقي ما صفة رجل أمن، أو من حاشية هذه الشخصية السياسية المتنفذة أو تلك، أو يعرض أمره بادعاء بأنه ينتمي إلى جيش جرار من المسلحين الذين لا يمكن قهرهم وهم مفوضون بالمطلق، أو أنه من عشيرة كبيرة لا تنام على ثأر، أقول، أن ينتحل عراقي مثل هذه الانتماء فهو أمر شائع يتكرر بأوقات عديدة، وحين ينتحل عراقي صفة أكاديمي متمرس أمضى (سنين) شبابه بالدراسة والتحصيل العلمي، فهذا الانتحال لا يحتاج إلى وثيقة اتهام دامغة بعد ما كشفت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية أكثر من (1500) وثيقة تخرج مزورة، والحمد لله أن أصحابها طردوا من وظائفهم!
وحين ينتحل عراقي صفة سياسي أمين على وحدة وأمن واستقرار البلاد ويظهر على شاشات التلفاز متمسحًا بالورع والحزن والمرارة على ما يعانيه المواطنون من قتل وتشريد وابتزاز وسلب وإلغاء وشطب، فالقائمة تطول ضمن حالة التشرذم والتطاحن والتنابز الذي تشهده الساحة العراقية ولعبة المغانم والحقائب الوظيفية على إيقاع المثل العربي المعروف (احملني واحملك) بمعنى انتصر لمصالحي أنتصر لمصالحك.
ليس مبالغة أن نقول إن صفة الانتحال تمتلك براءة اختراع عراقية بامتياز في الظرف الحالي، وليس في إطار المد التاريخي الذي كان عليه العراق بما يملك من منظومة تشريعية معروفة في مقدمتها مسلة حمورابي حيث يعاقب الغشاش بالقتل مثلما يعاقب بالقتل من يقطع غصنًا مثمرًا.
وعلى حد معرفتي المتواضعة لم يترك سياسي حتى الآن فرصة الانتماء إلى التاريخ الحضاري العراقي والتقيد بقوانينه في إدارة الدولة، أو يطرح ورثاته للمتنبي، أو مع قائمة الشعراء المبدعين الآخرين الطويلة من الجواهري إلى نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وكزار حنتوش وسامي مهدي وحميد سعيد، أما في الشعر الشعبي فيقتضي التنويه أن نقف عند مظفر النواب وزامل سعيد فتاح وعريان السيد خلف وكاظم إسماعيل كاطع وغيرهم، وكم المنتحلين لهم.
إن ما يهمني هنا بعد هذا العرض الموجز لحضور الانتحال أن أتوقف عند منتحلين أعتقد أنهم يملكون براعة هائلة في طريقة عرضهم وأعني هنا المنتحلين لصفة الفقر والعوز.
وإذا كان لا بدّ لتشخيص دقيق في ملامسة الحقيقة فيكفي أن نشير إلى ما يتداوله سكان قرية الخضر إحدى القرى العريقة في جنوب العراق ضمن تندر يلجأ سكانها إليه في تمرير الطرفة المرة كلما تلونت عليهم تأثيرات الفساد واشتد ضياع الهويات فيقولون (ثعالب وكلاب قرية الخضر شراكة) في إطار ما يمكن أن نصطلح عليه التقاء الضدين، الكلب والثعلب رغم الخصومة والحروب المستمرة بينهما!
وهكذا أيضًا، إن انتحال صفة الفقر لدى بعض العراقيين لم يأتِ بدافع الاضطرار لمنع (العين) عنهم، ولا لأن الوضع يحمل بصمة تاريخية في هذا الشأن، وإنما لأنهم لا يريدون أن يدفعوا ضرائب على ما يملكون بحكم التشريعات الضريبية المعتمدة في البلاد، كما يريدون أن ينزلوا بمواقعهم مع الأغلبية غشًّا، ولذلك زينوا الرأي العام العراقي بمحدودية ما يملكون، في الوقت الذي تحول فيه المال الحكومي إلى نزيف لا يتوقف لضعف ومحدودية ما يتم استرجاعه من خلال الضرائب.
وليس بعيدًا عن هذا المناخ، يمكن القول إن الدوائر الضريبية في البلاد أصبحت لاعبًا فاعلًا في تقديم وصفات إلى الأثرياء تنص على محدودية ما يملكون مقابل رسوم تدفع من تحت الطاولة لبعض الموظفين، الأمر الذي دفع محللًا اقتصاديًّا إلى القول إن اليوم الذي تتحول فيه الحكومة عن مسؤولية كونها مؤسسة قابضة ممولة قد اهتز لصالح التمويل فقط.
وتحكم السخرية مشهد الانتحال، فنقول إن معارض السيارات الأميركية واليابانية والمطاعم الفارهة ومحلات بيع الذهب ومقاعد النواب والحقائب الوزارية ومقاعد الدرجة الأولى في الطائرات تكتظ دائمًا بالفقراء العراقيين ضمن سقف الفقر الذي حددته الأمم المتحدة!!