[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
شكلتنا فلسطين .. منذ النكبة الكبرى والدم الفلسطيني يجر الدم ولا يتوقف، ليصرخ العالم اليوم أن أوقفوا سيلانه. الإسرائيلي يلعب بتاريخه، يقصر عمره، كلما عمل على تطويل مدة بقائه افتعل مجزرة كي يتوه في أقصر مدة باقية له.
لم نسمع في غزة من يقول الآه، ذلك الطفل الجميل الغزاوي هل رأيتموه ماذا يحمل .. عمره أقل من ثلاث سنوات، زجاجة الحليب في فمه وفي يده حجر، تلك من علامات الزمن الساحر الذي يجب أن يراه كبار العالم والعرب فلربما تستفزهم الحمية لإدراك مامدى الخطر على إسرائيل، فأما أن تلجأ إلى التنازل عن " شرعيتها " قبل فوات الأوان وأما أن تغلق مطارها ويرحل جميع الإسرائيليين إلى حيث جاؤوا.
لامصير أبشع من مصير الإسرائيلي ذات نهار بدأ يخطر على باله كلما شاهد طفلا من هذا النوع، وكل أطفال فلسطين يرضعون فلسطين مع حليب أمهاتهم، ويشربون الكلمات التي تسمع في البيوت فإذا بها إضاءة على ماسوف يكون.
الشاعر اليوناني ريتسوس الذي صرخ مرة " فلسطين أمي " وسأل " كم تربتك حمراء " ، اختصر تاريخا كاملا من العطاء الفلسطيني الذي كلما زاد، لم يحسن الإسرائيلي قراءته. ربما كان الفلسطينيون قلة يوم راودتهم أعمال البحث عن شكل للعودة إلى الديار، كان بإمكان العدو قتلهم عند العبور إلى الأرض السليبة، ومنهم من وصفه الكاتب يحيى حقي بأنه استشهد على أرض فلسطين يوم حاول العودة إليها وفي لحظة نزاعه الأخير قبض على حفنة من التراب ظلت في يده حتى بعد وفاته.
مقولة العنف يؤدي إلى العنف ليست كافية في الحال الفلسطينية .. لابد من اجتراح نظرية جديدة تفوق معنى تلك الجملة .. الفلسطيني لايقاتل عنف الإسرائيلي فقط وليس هذا هدفه، إنه يعبر عن حالة وجودية يقدمها لنفسه وللعالم، ومعناها كامن في أرضه ملكه وتاريخه. ليس هنالك داع أن يقوم الفلسطيني فقط بتحدي الإسرائيلي من على " الحدود " التي رسمت له وبدمه، بل هو لايقبل بهذه " الحدود " وبمن يسكن وراءها ومن يستطيب له أن يظل على أرضها وهو ليس من خلاياها وجذورها.
كثيرون لم يفهموا بعد معنى الفلسطنة التي صارت معنى لتاريخ ومعنى لمفهوم. كل العرب دخلوا في الفلسطنة لكنهم لم يصيروا فلسطينيين إلا من آمن ومارس وإن ازدنا فقدم دمه أيضا.
جميل الدم الغزاوي أن حيفا الرابض على أنفاس عربها خرجت عن صمتها لتقول مخزونها الفلسطيني الذي ظن الإسرائيلي أنه غير عقلها طالما حمّلها" هوياته". ظل أهل حيفا من صميم فلسطين ومن علاماتها التي لن تضيع. فشكرا لغزة التي كل الذي شربته من دم أبنائها أينعت في أماكن أخرى وصار هنالك صدى، إنها القنابل الموقوتة التي سوف تفكر الصهيوني مليا بوجوده.
كلما مر زمن اذن، صرخ العالم صرخة الشاعر اليوناني ريتسوس بان " فلسطين أمي " .. لكن هذا لايكفي، فالعالم مطالب مثلما جله تآمر واعترف بقيام كيان إسرائيل، ان يمزق اعترافه ويرميه في وجه عصابات إسرائيل وأميركا وآخرين مازالوا يراهنون على ان بالإمكان تعديل مسار الحقيقة أو تقديم النصر النهائي لجلاد وقاتل.
هنا سر الغلبة الذي سيحدث عند أقرب تحد مقبل ضد إسرائيل التي نعرف أن الخائف الجبان هو من يدير دائما اسطوانته الوحيدة بالتهديد والوعيد لكنه لايفعل! ..