[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]
” .. هناك تضخم متزايد في عدد السكان ومشاكل اقتصادية ومالية وصحية عابرة للقارات, كما قد اختفت العديد من الأماكن القديمة والأثرية وحتى الغابات والمروج الخضراء ليحل مكانها ناطحات السحاب ومصانع عملاقة وأسواق بحجم المدن وأنفاق للقطارات وغيرها من وسائل وضرورات الحياة المعاصرة. كما أن طبيعة تلك التغييرات نفسها لم تقتصر على البيئة الخارجية للإنسان,”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شكل التغيير وأساليبه وطرقه ومدى تأثيره في حياتنا اليومية, يؤكد لنا وبما لا يدع مجالا للشك حقيقة ان حياة الإنسان ليست في حالة تغيير فقط, ولكنها في حالة تغير مذهل وفائق السرعة والكثافة, حتى أن شكل ذلك التغيير ومدى تسارعه وأساليبه وأشكاله والقيم التي نعيشها في حياتنا قد تغيرت هي كذلك كثيرا خلال العقود الثلاثة الأخيرة من حياة البشرية (1980 – 2018 م ) مقارنة بما كانت عليه قبل مائة عام من الآن.
ففي عام 1959م قدر ماكس وايز Max Ways محرر مجلة الثروة أن وتيرة التغيير قد أصبحت ربما خمسين مرة أكبر من معدل وتيرة التغيير في القرون السابقة , وفي مقال له تحت عنوان " زمن التغير الجذري " كتبه في العام 1964م , جادل ان الفترة من العام 1800- 1950 , كانت فترة سريعة , ولكن حوالي العام 1950 بدأت مرحلة من التغيير الجذري, فكيف بنا اليوم ونحن في العام 1018م – أي – بعد أكثر من 65 سنة من ذلك التغيير الجذري الذي اسماه ماكس , أفلا يحق لنا إذا أن نطلق على تلك التغييرات التي نلاحظ تسارعها اليوم بالتغيرات الذرية !!.
بالإضافة الى ذلك يبدو أن هناك نوعا من الإجماع اليوم على ان التغير سيستمر في التسارع في السنوات القادمة, والتوقعات من بعض المراقبين تبدو محيرة للأذهان, فالمخترع المرموق روي كورزويل Roy Kurzweil يقول : ( لم يكن كل القرن العشرين في الواقع مائة سنة من التقدم بوتيرة التقدم اليوم, بل كان مجرد عشرين سنة من التقدم بوتيرة التقدم اليوم, وسوف نمر بعشرين سنة أخرى من التقدم بوتيرة التقدم اليوم مساوية للقرن العشرين كاملة , - وبسبب هذه الوتيرة الفوق ضوئية للتغير – فان القرن الواحد والعشرين سيساوي تقدم عشرين ألف سنة من التقدم بوتيرة التقدم اليوم, أي حوالي ألف مرة أعظم من القرن العشرين.
إذا لقد أصبح العالم مختلفا كثيرا من حولنا, مختلفا في كل شيء , في أساليب المعيشة وطريقة التفكير وثقافة المجتمع والمعارف والأدوات والتكنولوجيا التي ترتبط معنا في أنشطتنا الحياتية اليومية , فلا طريقة العيش ولا احتياجاتها الأساسية او التكميلية كالأبنية والمساكن التي يقطنها الناس ولا الإعمال وطرق العلاج ووسائل السفر والتنقل وغيرها من أدوات وأشكال الحياة اليومية , ولا حتى المخاطر التي تهدد البشرية هي نفسها كما كانت قبل مائة عام تقريبا.
فهناك تضخم متزايد في عدد السكان ومشاكل اقتصادية ومالية وصحية عابرة للقارات, كما قد اختفت العديد من الأماكن القديمة والأثرية وحتى الغابات والمروج الخضراء ليحل مكانها ناطحات السحاب ومصانع عملاقة وأسواق بحجم المدن وأنفاق للقطارات وغيرها من وسائل وضرورات الحياة المعاصرة. كما أن طبيعة تلك التغييرات نفسها لم تقتصر على البيئة الخارجية للإنسان, ولكنها شملت طبيعة تفكيره ومزاجه اليومي وعاداته وتقاليده المتوارثة وشكل صداقاته وجيرانه وطبيعة وأشكال العمل التي يمارسها والضغوطات اليومية التي يعايشها, فلم تعد حياته اليومية اليوم كما هي قبل سنوات, فلقد أصبح يستخدم وسائل جديدة وحديثة في تحضير الطعام والتواصل مع الآخرين والترفيه عن نفسه, بحيث أصبح اليوم يفكر عبر حواسيب بحجم قبضة اليد, ويسافر إلى عوالم لم يكن ليستطيع الوصول إليها لولا التكنولوجيا الحديثة.
( فذلك التغيير لم يقتصر على البيئة الخارجية للإنسان, بل أصابه في الصميم كما سلف وبينا, لذا من الخطأ التأكيد على أن الطبيعة البشرية تبقى هي نفسها مع تغيير الزمن , فمذهب خلود الطبيعة البشرية وثبات الغرائز والأهواء هو مذهب خاطئ ) كما أن هناك تكنولوجيا جديدة قد حلت مكان تلك الوسائل والأدوات القديمة والمتهالكة , وحلت مكان المساكن القديمة أبنية جديدة وقوية وفائقة الجمال وقليلة الكلفة والجهد , وأنماط حياة جديدة تواكب تلك المتغيرات السريعة والجذرية التي دخلت على حياة الإنسان اليومية , كما تغيرت وبشكل جذري وسائل العلاج والصحة العامة , هذا بخلاف التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والتكنولوجية والثقافية وخلافه.
المهم في الأمر. أن الفكرة التي نهدف للوصول إليها من وراء كل ذلك هي : ان حقل إدارة الموارد البشرية قد تأثر كثيرا بذلك الدفق الهائل والتسارع اللامحدود في تناقل المعلومات والمعارف العابرة للقارات في مجتمع التغيير الأعظم الذي نعيشه اليوم , بحيث لم يعد يملك الأفراد سوى القليل من الثبات في حياتهم ككل, وإن شكل ذلك التغيير وسرعته قد اختلف جذريا وسيظل في تسارع مستمر, إنما لا نستطيع أن نؤكد أن ذلك سيستمر إلى ما لا نهاية, أو أن لذلك التغيير نقطة معينة سيتوقف عندها, وهو ما يدفعنا للتأكيد على خطورة إهمال احتواء تلك المسافة التي بدأت بالاتساع بين دفق المعلومات والمعارف وبالتالي التقنيات والتكنولوجيا والبرامج المرتبطة بحقل إدارة الموارد البشرية وتأهيل وتدريب وتعليم الكادر البشري العامل والمشتغل بذلك الحقل, مما يمكن ان يتسبب بخلل لا يمكن احتواءه وتداركه في مرحلة معينة من حياة وتقدم أي أمة وطنية.