[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
استخدام الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو" ضد مشروع القرار الكويتي الذي يطالب بحماية دولية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة ليس قرارًا مفاجئًا، كما أنه ليس الأول أو الأخير، وإنما سيضاف إلى عشرات القرارات بالتصويت بـ"الفيتو" التي اتخذتها واشنطن فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، معززةً بذلك ترسانة مواقفها الناضحة بالنفاق والتواطؤ والازدواجية، ومعطيةً في الوقت ذاته الضوء الأخضر لحليفها كيان الاحتلال الإسرائيلي بمواصلة ارتكاب جرائم الحرب والانتهاكات ضد الإنسانية وجميع الموبقات، ونهب حقوق الشعب الفلسطيني، موفرةً ـ كما في كل مرة ـ الأريحية المطلقة للجندي الإسرائيلي المحتل، والمزيد من الظروف له ليواصل التعبير عن وحشيته ونزعاته الحيوانية المتوحشة. وقد أكد ذلك رد فعل السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي حين وصفت مشروع القرار الكويتي بأنه "أحادي الجانب ومنحاز"، و"لم يذكر ولامرة واحدة حركة حماس، ومشروع القرار هذا لن يؤدي إلا إلى خدمة وتقويض الجهود الجارية من أجل التوصل إلى سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين".
صحيح أن استخدام واشنطن الفيتو هو "سقطة أخلاقية أخرى لأميركا، وانعزال أميركي عن الواقع، وعمى سياسي"، كما قال رياض المالكي وزير الخارجية الفلسطيني، إلا أن الموقف الأميركي يأتي في ظل مناخ عربي تحديدًا وليس دوليًّا يختلف عما سبقه، يشجع الأميركي وحليفه الإسرائيلي على اتخاذ مواقف وسياسات تخدم ما هما بصدده من مشاريع وصفقات تجاه تصفية القضية الفلسطينية، وتسليم كل الحقوق الفلسطينية لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وقد بدا معظم المناخ العربي في هذا الشأن خادمًا وماضيًا في تعبيد طريق التصفية أمام السيدين الأميركي والإسرائيلي، فمعظم المنظومة العربية الرسمية قد بدأ بالفعل في ترتيب هذا المشهد النهائي للقضية الفلسطينية منذ توقيعه لصكوك التمويل المجاني لحملات الغزو والاستعمار والتقسيم في المنطقة بدءًا بالعراق ثم ليبيا وصولًا إلى سوريا واليمن، عبر واجهته الكبرى والكاذبة "دعم ثورات الربيع العربي"، ليتوج كل ذلك بـ"تطبيع مجاني" على حساب الأمن القومي العربي، وعلى حساب العروبة، وعلى حساب دم وتضحيات وحقوق الشعب الفلسطيني.
لذلك راهن القضية الفلسطينية وواقع الإنسان الفلسطيني بالمقارنة مع راهن ما جرى ويجري في ليبيا وسوريا واليمن وواقع شعوبها، يكشف بصورة واضحة وفاضحة مدى فائض النفاق والتواطؤ ونسج الأكاذيب لتمرير مشروعات التصفية والتدمير والتقسيم. فكيف يعقل أن يصحو الضمير الأميركي وضمير من هو في ركاب الولايات المتحدة تجاه الإنسان الليبي والسوري، في حين يتبلد ويموت تجاه الإنسان الفلسطيني؟ هل هناك فرق بين إنسان وإنسان؟ فقد رأى العالم بأجمعه كيف تتم المتاجرة بحقوق الشعب السوري ـ على سبيل المثال ـ وكيف يتم تدمير سوريا مثلما جرى في العراق وليبيا بذريعة الدفاع عن شعوبها ودعمها في تلبية حقوقها؟ فالمسرحيات الهابطة عن فبركة استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين في سوريا لا تزال خير دليل على هذا النفاق والتواطؤ والكذب وغسل أدمغة المغيبين والمعزولين عن الواقع. ثم أين نعرات "النعاج" في وجه ذئاب الصهاينة اليوم، وهي التي كانت بالأمس تدعو لفتح صنابير الأموال لتسليح الإرهابيين والتكفيريين والمرتزقة والذين أسمتهم "ثوار" سوريا؟ وأين أولئك المعممون من أولوية الجهاد في فلسطين والذين زعموا أن الجهاد فرض عين في سوريا؟ وأين ساسة الأعراب من مطالبتهم مجلس الأمن الدولي باستصدار قرار تدخل عسكري مباشر في فلسطين لحماية الشعب الفلسطيني مثلما توجهوا إليه لاستصدار قرار بتدخل عسكري مباشر على سوريا بكذبة حماية الشعب السوري؟ أين مظاهر الدعم من الأعراب لإخوانهم الفلسطينيين مثلما قدموه للإرهابيين والتكفيريين والمرتزقة وأصحاب الجرائم والسوابق في سجونهم لينالوا من سوريا العروبة وشعبها؟ أليس الأحق بالدعم الشعب الفلسطيني؟ أولا يعني ذلك أنهم مجرد أدوات وظيفية وخدم لسيدهم الصهيو ـ أميركي؟
من المؤسف، بل من المخزي أن تلجأ قيادات في المنظومة العربية الرسمية ـ بعدما دعمت مشروعات وصفقات تصفية القضية الفلسطينية سرًّا وعلنًا ـ إلى تمثيليات اختفاء مفضوحة للاختباء وراءها، وتغطية دورها المباشر في ذلك، مع اليقين بمواصلتها هذا الدور.
ويتبدى النفاق في أوقح صوره فيما ذهبت إليه نيكي هايلي السفيرة الأميركية من وصفها لمشروع القرار الكويتي بأنه "منحاز"؛ لأنه لم يذكر أو يدن حركة حماس، ونسيت نفسها أنها منحازة هي وبلادها وأغلب الأعضاء في مجلس الأمن إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي؛لأنها ترفض أن يعطى الشعب الفلسطيني أبسط حقوقه في الحياة الكريمة وعدم الاعتداء عليه ورفع الحصار عنه، متجاهلة أن الصواريخ المنطلقة من قطاع غزة هي رد فعل على العدوان الإرهابي الذي شنه كيان الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، ومتجاهلة في الوقت ذاته مئات الشهداء والمصابين الفلسطينيين جراء إطلاق الرصاص الحي والإصرار على القتل من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي. ثم نفاق المسؤولة الأميركية يتبدى في جانبه السياسي حين زعمت أن "مشروع القرار الكويتي لن يؤدي إلا إلى تقويض الجهود الجارية من أجل التوصل إلى سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين"، وتعني بذلك ما يجري اليوم من جهود تصفية القضية الفلسطينية، ومحاولة اقتلاع كامل لجذور الشعب الفلسطيني من أرضه، وأن استخدامها حق النقض هو جزء من التصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري على مختلف الأطراف ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية من أجل المضي نحو إنجاز هدف التصفية وإعلان ما يسمى بـ"صفقة القرن".

[email protected]