أن تدافع الولايات المتحدة عن دعمها لحليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الإسرائيلي بالسلاح والذخيرة لمواصلة إرهابه ضد قطاع غزة، هذا أمر مفهوم، لكن غير المفهوم هو أن تدعو حليفها في الوقت ذاته إلى حماية المدنيين وهو منذ بدء عدوانه الإرهابي على غزة لا يستهدف سواهم وتحديدًا الأطفال والنساء والمسنين.
إن الإعلان الأميركي عن الموافقة الفورية على إمداد كيان الإرهاب الإسرائيلي بالذخيرة والسلاح ثم الدفاع عن هذا الإعلان وتبريره بأنه "روتيني" ويأتي في إطار "حق كيان الاحتلال الدفاع عن نفسه"، لا يمكن فهمه إلا على أنه ضوء أخضر لاستمرار العدوان الإرهابي على المدنيين الأبرياء العزل في قطاع غزة، وما يؤكد ذلك هو الموقف المباشر الذي أعلنه مجرم الحرب بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال بأن العملية الإرهابية ضد قطاع غزة لن تتوقف حتى تدمير الأنفاق، محاولًا ربط جرائم حربه بحق الأطفال والنساء وتدمير المدارس والمساجد والمنازل بتدمير الأنفاق، وكذلك ترجمة هذا الدعم بخرق الهدنة التي طلبها عبر حلفائه لثلاثة أيام بارتكابه مجزرة جديدة في رفح راح ضحيتها مئات الشهداء والجرحى، أغلبهم من الأطفال والنساء وكبار السن.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما علاقة الأنفاق وما يسمى "الدفاع عن النفس" بالمدارس التابعة بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" التابعة للأمم المتحدة؟ وما علاقة الأنفاق و"الدفاع عن النفس" بالمساجد والمستشفيات والمنازل حتى تسويتها بالأرض، والأهم من ذلك الاستهداف المتعمد للأطفال والنساء والمسنين والإصرار على ذلك، لدرجة ملاحقة الأطفال في المتنزهات والشواطئ والمدارس وهم يمارسون هوايات طفولتهم؟
صحيح أن هذا الدعم الأميركي الجديد لكيان الاحتلال الإسرائيلي بالمال والسلاح يذكرنا بالدعم الأميركي ذاته أثناء العدوان الإرهابي على لبنان صيف عام 2006م وذلك حين أمدت الولايات المتحدة "الدولة الديمقراطية والمتحضرة وراعية حقوق الإنسان" كيان الاحتلال بأُم القنابل وذلك بهدف تدمير التحصينات التي بنتها المقاومة اللبنانية تحت الأرض، ودك البنايات الشاهقة وتسويتها بالأرض، إلا أن هذا الدعم يؤكد مدى التواطؤ الأميركي مع العدوان الإرهابي الإسرائيلي على المدنيين في قطاع غزة، ومدى تلطخ الأيادي الأميركية والإسرائيلية وحليفاتها وعميلاتها بدماء الأبرياء المدنيين الفلسطينيين، وهو دعم ـ بلا شك ـ يتوافق مع ما يسوق من مبادرات وهُدَن تستهدف قطع رأس المقاومة الفلسطينية وتجريدها من سلاحها.
والتفسير الفوري لذلك أيضًا أن الولايات المتحدة لا تزال ترى في استخدام القوة الغاشمة وسيلة لتحقيق الأهداف، وتمنح ذلك أولوية عن حماية المدنيين والبنية الأساسية وتوفير مواد الإغاثة للنازحين، كما أنه يعني أيضًا ابتعادها تمامًا عن الحل الجذري للمشكلة وهو اعتراف كيان الاحتلال الإسرائيلي بالحقوق الفلسطينية ورفع الحصار ووقف العدوان والاستيطان والاعتقالات وإطلاق سراح الأسرى والاعتراف بحدود عام 1967م وبالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المنتظرة، وحق عودة اللاجئين.
وما لم يتم الاعتراف بهذه الحقوق الفلسطينية سيبقى الإسرائيليون ومن معهم يتجرعون مرارة انتكاسات مريعة ومخزية ومذلة.