[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/05/ibrahim.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]ابراهيم بدوي[/author]
” إن ما يشهده العالم من تغيير متعمد لقواعد لعبة منعت تكرار حروب وصراعات طال البشرية منها كل شر، والتحول إلى صراعات كارثية على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ينبئ بأن العالم يتجه نحو مستقبل قاتم، حيث يعتبر الصراع بين الكيان الصهيوني وحلم الدولة الفلسطينية جوهرا لهذا التحول،”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن أخطر ما يشهده العالم في الوقت الحالي، ليس التنافس الدائر بين القوى العظمى القديمة وأخرى جديدة تسعى نحو توسيع دائرة نفوذها، فالتنافس على النفوذ حول العالم، سواء كان إقليميا، أو قاريا أو عالميا، حالة موجودة منذ الأزل، فالتنافس سمة من السمات الانسانية، أو سنة كونية وضعها الله لعمل التوازن اللازم، فالتنافس هو بلورة لفكرة الدفع، التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في أكثر من موضع في كتابه الحكيم قال تعالى في سورة البقرة (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)، فالتنافس أحد الوسائل البشرية لتحجيم الأزمات، فأحجام القوى والسعي المتبادل نحو السيطرة، هو ما يؤدي إلى وضع سقف للطموح، الذي يكون في بعض الأحيان مدمرا اذا خرج عن قانون الدفع، ليتحول لصراع من أجل الوجود أو البقاء.
ولكن الأخطر حاليا هو تغييب مبدأ الدفع وتحويل التنافس لصراع محموم، يحمل في طياته مكامن الفناء البشري دون مبالغة، فأخطر ما يشهده العالم، هو تلك المحاولات من هذه الدولة أو تلك نحو تغيير قواعد اللعبة، وذلك على الرغم من أن تلك القواعد لديها من الرسوخ الكثير، لدرجة أنها حافظت على السلام العالمي لعقود طويلة، فمثلا على الناحية الاقتصادية، تسعى الحكومة الترامبية إلى تغيير طريق بشرت به اميركا على مدار قرن ونيف من الزمان، وإعادة العالم الى قوالب حميائية تناسبها، وغيرت دولا مواقفها الايدلوجية وتحولوا نحو إقتصاد عالمي رسمت ملامحه واشنطن، والان هي من تريد تغييره، وهو يعد تعبيرا حقيقيا لتحويل فكرة الدفع التي تتقيد في الاساس بمنظومة قيم ما، إلى صراع مفتوح لايعرف أي قواعد غير المصالح الخالصة، فالدفع قاعدة عامة، تهتم بكم سأخسره، وما سأجنيه، أما الصراع فيهتم في الاساس بما سألحقه بغيري من خسائر، لتكون الخسارة هي العنوان والقاعدة الجديدة.
وبعيدا عن الاقتصاد نرى أن العديد من الدول حول العالم، تخلت عن فكرة الدفع التي بلورت في شكل تنافس ديمقراطي أو غير ديمقراطي ولكن لديه قواعد ابرزها الحفاظ على الدولة الوطنية، أو الشعارات الحاكمة لتوجه تلك الدولة، أو غيرها من الثوابت التي كان يتجنب تغييبها المتنافسون عن مناورتهم، وذلك من أجل حفظ منظومة التنافس والامل في الصعود والهبوط، لكن مع توجه الصراع نحو إقصاء تلك المفاهيم وسعي البعض لتدمير الدول، مما خلق صراعات من أجل البقاء في العديد من الدول التي استهدفت من وراء نظرية الفوضى الخلاقة، التي عصفت بالمنطقة على حين غرة بتآمر دبر بليل، وعندما حاول اصحاب المصالح في تلك الدول حماية مصالحهم، ذهبوا نحو صراع للبقاء لا يعرف التوازن بهدف حماية فكرة الدولة، فكان الطبيعي أن تنهار تلك الدولة، بعد تغيير قواعد اللعبة التي كانت تحكم التنافس على الحكم بين الحكومة ومن يعارضها، وهو وضع لا يختلف كثيرا عن مواقف مكونات الدولة المعارضة التي تهيأ لها أن الفوضى ستكون خلاقة فعلا، وسعوا بدوافع جديدة وبقواعد جديدة نحو السلطة، مما حول التنافس المحكوم بفلسفة الدفع، إلى صراع لن يعرف متى سينتهي بالفعل.
وحتى على الصعيد الاجتماعي في تحول التنافس الطبقي، واكتساب الطبقات الدنيا حقوقا اجتماعية منذ بداية التحرر الوطني، إلى صراع بين طبقات ترفض إحداها وهي الطبقة العليا تقاسم ما تملكه من ثروات ونفوذ، برغم أنها كانت إلى وقت قريب تترك متنفسا لباقي طبقات المجتمع، وهو متنفس يفتح لهم (الطبقات الساعية للصعود) مدخلا للترقي الاجتماعي، بشكل منع الانفجار الكبير والصراع المخيف، فقد كان هذا المتنفس أحد قواعد التنافس الطبقي، وهو تنافس حافظ على الاقل إلى حد ما على ما تبقى من سلام اجتماعي، ليفتح دائرة جديدة من دوائر الصراع.
إن ما يشهده العالم من تغيير متعمد لقواعد لعبة منعت تكرار حروب وصراعات طال البشرية منها كل شر، والتحول إلى صراعات كارثية على كافة الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ينبئ بأن العالم يتجه نحو مستقبل قاتم، حيث يعتبر الصراع بين الكيان الصهيوني وحلم الدولة الفلسطينية جوهرا لهذا التحول، فما تقوم به دولة الاحتلال على الارض من إرهاب واجرام بتوافق دولي وتواطؤ عربي خرج من الغرف المغلقة إلى العلن، غير من قواعد اللعبة في صراع كبير سيطال شراره البقية الباقية من أمل في هذه المنطقة من العالم، فحل اللا حل الذي اعتمد طوال عقود، تحول لحل صهيوني بإمتياز برعاية أميركية ودولية، وبخنوع عربي غريب، خنوع حول الصراع الازلي الوحيد الذي تعيشه منطقتنا لشكل من التنافس، الذي سيؤدي بتأجيج التنافسات بين دول المنطقة ويحولها لصراعات.