شغلت محورا حيويا للنشاط الاقتصادي والتجاري
ـ تمازج رائع بين التراث الحضاري القديم والطابع المعماري العصري
ـ آثار تعود لبدايات التاريخ الإنساني
ـ نصيب وافر من منجزات النهضة ومؤسسات علمية وثقافية

مسقط ـ العمانية: شكلت مسقط العامرة نقطة تاريخية مهمة وقامت بدور مهم كمحطة ومركز تجاري في المنطقة، نظرا لموقعها الاستراتيجي المميز على بحر عمان، حيث شغلت محورا حيويا للنشاط الاقتصادي والتجاري سواء على المستوى المحلي أو في علاقات السلطنة مع الدول الأخرى، كما أهلها الموقع الجغرافي والاستراتيجي المهم لتكون المركز السياسي والاقتصادي والإداري للسلطنة في هذا العهد الزاهر لباني نهضة عمان الحديثة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ ففـيها يقع مقر الحكم ومركز الجهاز الإداري للدولة.
والزائر لمحافظة مسقط، وولاياتها الست: مسقط، ومطرح، وبوشر، والسيب والعامرات، وقريات، يشاهد التمازج الرائع بين التراث الحضاري القديم والطابع المعماري العصري الحديث، فترى فيها المنازل والأسواق القديمة والمحلات الصغيرة والطرق الضيقة بجانب المنازل والأسواق الحديثة والمحلات والشوارع الواسعة لتمتزج شخصيتها التاريخية والحضارية بروح العصر والحداثة لتشكل معا لوحة غناء يتهافت إليها السياح من شتى بقاع العالم لمشاهدة هذه المحافظة التي تحتضنها الجبال، حيث رسم بحرها وجبالها وسهولها وخيرانها وتاريخها ومكتسبات حاضرها المشرق لوحة فنية رائعة.
وكان لمسقط دور مهم في أحقاب التاريخ المختلفة كمركز تجاري بارز ساعد على تنشيط الحركة التجارية في منطقة الخليج والمحيط الهندي بفضل موقعها الاستراتيجي المميز، وقد أكدت الكشوفات الأثرية عراقة هذه المحافظة حيث تشير المعلومات إلى أن مسقط سكنها الإنسان منذ بدايات التاريخ الإنساني، ودلت على ذلك الآثار التي اكتشفت بالوطية في عام 1981م ويقدر عمرها بحوالي 9615 سنة، و تشير إلى أن الإنسان عاش فيها منذ العصر الحجري الأول، وأنها عمرت في العصر الهيليوستي ثم العصر البرونزي، وأظهر التنقيب الأثري حياة مجتمعات عمرانية في موقع القرم تعود إلى الألف الخامس قبل الميلاد، حيث عثر على مقابر وبقايا أطعمة وأمتعة شخصية.
وأظهرت الكشوفات الأثرية في رأس الحمراء حضارة الصياد العماني في فترة بداية العصر الحجري الحديث في الحقبة التي أُرخت في الألف الثالث قبل الميلاد وأكدت أنهم كانوا على درجة عالية من الرقي والتطور وكشفتها وزارة التراث والثقافة في شهر فبراير2000م ، وتدل الآثار التاريخية التي اكتشفت في مدافن ولاية بوشر أنها ترجع للألفيتين الثانية والأولى قبل الميلاد.
ويذكر ياقوت الحموي عن مسقط في كتابه "المشترك وضعا والمفترق صقعا" أنها مدينة على ساحل عمان، ويشير إليها المقدسي في كتابه "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" بأنها أول من يستقبل المراكب اليمنية وهي موضع حسن كثير الفواكه ومن هنا فإنه وبما لا يدع مجالا للشك تعتبر محافظة مسقط وولاياتها مكانا للاستيطان منذ أقدم الحضارات الإنسانية، حيث أن الموقع الاستراتيجي بطبيعته ساعد في تكوين حضارة عريقة.
وفي ظل النهضة المباركة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ حظيت محافظة مسقط بنصيب وافر من الإنجازات التي شملت كافة مجالات الحياة العصرية، حيث أصبح المواطن العماني يرفل في نعيمها وأصبحت المحافظة عامرة بمعطيات نهضتها المباركة مما جعلها في مصاف المدن المتقدمة ومن أبرز العواصم من حيث التطور والتخطيط الذي لامس ولاياتها الست حيث يبلغ عدد سكان المحافظة 775,878 نسمة حسب تعداد 2010م، ففي مجال التعليم المدرسي حظيت ولايات محافظة مسقط بنصيب وافر من دور العلم سواء في التعليم العام أو الجامعي ففي مجال التعليم الأساسي والعام بلغ عدد مدارس المحافظة (145) مدرسة موزعة على ولايات المحافظة يدرس بها حوالي (88700) طالب وطالبة بمختلف المراحل الدراسية، إلى جانب عدد من المدارس الخاصة والدولية التي تنتشر في ربوع ولايات المحافظة.
وفي مجال التعليم العالي توجد جامعة السلطان قابوس التي أسهمت في تخريج حملة البكالوريس والليسانس والدبلوم العالي والماجستير إلى جانب انتشار مراكز التدريب المهني بالسيب والكلية التقنية العليا بمسقط وعدد من المعاهد والكليات الصحية التي كان لها دور بارز في تخريج أعداد كبيرة ممن يسهمون الآن في بناء هذا الوطن المعطاء، كما يوجد بالمحافظة عدد من الجامعات والكليات الجامعية الخاصة التي تقوم بدور كبير في إعداد وتأهيل الكوادر الوطنية ومنها الجامعة العربية المفتوحة وكليات واحة المعرفة وكلية مسقط وكلية الدراسات المصرفية وكلية الطب وغيرها من الكليات الخاصة.
وفي مجال الصحة فإن المحافظة تنعم بعدد من المستشفيات المرجعية الكبيرة منها المستشفى السلطاني ومستشفى جامعة السلطان قابوس ومستشفى خولة ومستشفى النهضة إلى جانب عدد من المجمعات والمراكز الصحية التي تخدم أبناء الولايات، كما يتوفر عدد من المستشفيات الخاصة منها مستشفى مسقط ومستشفى الرفاعة، ومستشفى ستار كير ومستشفى الحياة الطبي ومستشفى كيمز ومراكز بدر السماء الطبية ومركز نجمة أطلس وغيرها من المستشفيات والمراكز الصحية الخاصة التي توفر الخدمات العلاجية بمختلف أنواعها.
وفي مجال الطرق فمحافظة مسقط تحظى بأفضل شبكات الطرق الرئيسية والفرعية التي تخدم جميع زوار محافظة مسقط إلى جانب توفر الطرق والخدمات في جميع ولايات المحافظة، بالإضافة إلى توفر خدمات الهاتف والكهرباء التي عمت السهل والجبل والوادي بولايات المحافظة.
وقد أعطى الموقع الجغرافي الجميل لمحافظة مسقط وتضاريسها الرائعة بعدا سياحيا فريدا جعلها وجهه للسائح والمقيم، ونظراً للإقبال الكبير من السياح فقد أنشئت الفنادق الفخمة والشقق الفندقية ذات الطراز المعماري الجميل حتى تستوعب الأعداد المتزايدة من هؤلاء السياح وكذلك المقيمين، كما شكلت الحدائق والمتنزهات الجميلة الراقية التي تتوزع في ربوع محافظة مسقط محطة لارتياد السياح، وتعد حديقة القرم الطبيعية من أجمل هذه الحدائق وأكثرها استقطابا للزوار، كما يوجد عدد من الحدائق الأخرى والمتنزهات مثل حديقة ريام والوادي الكبير ومتنزه قريات وحديقة الصحوة وحديقة النسيم العامة، حيث تعد تلك الحدائق والمتنزهات متنفسا حقيقيا لكل القاطنين والسياح، كما يجد السياح من البحر بمساحاته دورا بارزا في إنعاش الحركة السياحية نظرا لما يتميز به البحر من شواطئ رملية جميلة ومكان هادئ للراحة والاستجمام ولعل أهمها شاطئ القرم والصاروج والعذيبة وقنتب والسيب وقريات والسيفة ويتي حيث المظلات الجميلة والمرافق السياحية والخدمية المختلفة.
وتزخر مسقط بعدد من المؤسسات العلمية والثقافية منها المتاحف التي تعتبر نوافذ تساعد المواطنين والباحثين على فهم التاريخ بأبعاده وزواياه، حيث تضم 19 متحفا، تعرض أقدم المقتنيات الأثرية وتقدم لزائرها جانبا من التاريخ والثقافة العمانية، فالزائر للسلطنة إذا ما أراد التعرف على تفاصيل تاريخها لا بد له من زيارة جانب من تلك المتاحف، حيث تعد زيارتها ضمن المحطات الأساسية الدارجة في خارطة مسقط السياحية ومن هذه المتاحف متحف بيت البرندة ومتحف التراث العماني والمتحف العماني الفرنسي ومتحف السيد فيصل بن علي ومتحف التاريخ الطبيعي ومتحف الطفل ومتحف بوابة مسقط والمتحف الوطني ومتحف القوات المسلحة ومتحف السيدة غالية ومتحف بيت أدم ومتحف النفط والغاز ومركز العلوم البحرية والسمكية ومتحف القبة الفلكية والمعرض البيلوجي ومتحف بيت مزنة، والمتحف التربوي بالمدرسة السعيدية ومتحف بيت الزبير.
ومن أشهر معالم مسقط جامع السلطان قابوس الأكبر الذي يعد واحدا من أشهر المعالم ومن أكبر المساجد والذي أمر ببنائه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ، ويمثل جانبا مهما من العمارة الإسلامية حيث يتميز تصميم الجامع باحتوائه على مختلف الفنون المعمارية والجداريات مثل فن الزليج المغربي والجداريات المغولية بجانب الممرات والقباب والمنائر والحدائق الواسعة والنوافير المائية، ويغطي مساحة قدرها 40,000 متر مربع، كما تزين قاعة الصلاة الرئيسية أكبر سجادة فارسية في العالم، نسجتها أيدي أكثر من ستمائة امرأة على مدى أربع سنوات، ويحتوي المسجد أيضا على أكبر ثريا في العالم، ويعد الجامع بجانب وظيفته الدينية مزاراً سياحياً حيث يسمح بالزيارة يومياً من الثامنة وحتى 11 صباحا بجانب وجود مكتبة وقاعة للمحاضرات، وقد استخدمت في بنائه مختلف المواد من الخشب والرخام والزجاج المعشق والجداريات والزخارف النحاسية.
كما يوجد بالمحافظة عدد من الجوامع والمساجد الكبيرة ومنها جامع السلطان سعيد بن تيمور بولاية بوشر وجامع السلطان فيصل بن تركي وجامع السيدة مزون بولاية السيب وجامع السلطان قابوس بروي و وجامع السلطان قابوس بولاية قريات و وجامع السلطان قابوس بولاية السيب.
كما تتفرد محافظة مسقط بعدد من المعالم الثقافية والعلمية تأتي في مقدمتها دار الأوبرا السلطانية والمنتدى الأدبي والنادي الثقافي والنادي العلمي، حيث يأتي إنشاء دار الأوبرا في إطار الحرص والاهتمام الذي يوليه جلالة السلطان المعظم ـ أعزه الله ـ بالتواصل الحضاري والثقافي وبمجالات الفن الراقي مع مختلف دول العالم، كما يتوافق مع اهتمامات جلالته بالموسيقى الكلاسيكية، حيث شهد منتصف ثمانينات القرن الماضي إنشاء أول أوركسترا سيمفونية.
وتأتي دار الأوبرا السلطانية كمعلم ثقافي وحضاري يوضح مدى الاهتمام بالانفتاح الحضاري على العالم وصولا إلى التنوع الثقافي الذي تفتخر به السلطنة، ودار الأوبرا متعددة الاستعمالات يمكنها أن تستضيف فعاليات مختلفة كحفلات الأوبرا والحفلات الموسيقية والمسرحية والمؤتمرات والملتقيات الثقافية والفنية، وتعد برامجها علامة بارزة تقدم الكثير من الفنون الرفيعة والبرامج المبتكرة التي تدعم مجالات المعرفة والإلهام لكافة المرتادين من عمان وأنحاء العالم، وتعزز السياحة الثقافية، وتؤكد دور الفن كوسيط دبلوماسي من خلال بث روح التقارب بين مختلف شعوب العالم.
ويشكل إنشاء دار الأوبرا السلطانية مسقط خطوة كبرى في تطور التصاميم المعمارية العمانية، حيث تم استثمار العمارة التقليدية العربية الإسلامية وعناصر هذه العمارة، إلى جانب الأخذ بعين الاعتبار التناسق والتناغم بين العناصر والتشكيلات المختلفة مع مراعاة اختيار المواد المناسبة التي اشتهرت بها العمارة العربية الإسلامية مثل استعمال الحجارة الكبيرة والأخشاب التي يتم تزيينها بنقوش بالغة الدقة والتعقيد، إضافة إلى الإيحاءات التاريخية المستمدة من التراث المعماري بالمنطقة، حيث شيد في 8 طوابق تقع 3 منها تحت الأرض و5 تقع فوقها، ويمتد مبنى الأوبرا من شمال الموقع إلى جنوبه ويقطع المبنى رواقان من الأعمدة يمتدان على جانبيه الشرقي والغربي، ويتناغم فيها التراث المعماري العماني والعربي والإسلامي في عهود مختلفة، وشيدت دار الأوبرا السلطانية مسقط على مساحة شاسعة تبلغ ثمانين ألف متر مربع وتبلغ المساحة المبنية ما يربو على خمسة وعشرين ألف متر، حيث أمر جلالته ببنائها في عام 2001م، وافتتحت في 12 أكتوبر 2011م.
وكان لدور مؤسسات المجتمع المدني أهمية بارزة في السلطنة، وتجلى ذلك في العديد من هذه المؤسسات سواء على الصعيد الاجتماعي أو الثقافي أو الاقتصادي أو الرياضي وكذلك فيما يتعلق بحقوق الإنسان. وتحظى هذه المؤسسات بدعم من قبل الحكومة إيمانا منها بأهمية ما تقوم به من نشاط وحراك يكمل الدور الحكومي.
ومن بين هذه المؤسسات: المنتدى الأدبي والنادي الثقافي والنادي العلمي، و تعد نافذة ثقافية وعلمية وأدبية شكلت فعالياتها حراكا ثقافيا جيدا خلال السنوات الماضية، وما زالت تقدم العديد من المناشط الثقافية في شتى صنوف الثقافة والأدب ، كما توجد جمعية الصحفيين العمانية والجمعية العمانية للسينما والجمعية العمانية للكتاب والأدباء والجمعية العمانية للمسرح التي شكل إنشاؤها حراكا ثقافيا وأدبيا وصحفيا على المستوى الخليجي والعربي والدولي.