[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
”.. اعتاد البشر طوال المراحل التاريخية للحياة أن يتحدثوا بحرية وأن يعبروا عن مشاعرهم ورؤاهم واحتياجاتهم وأن يطرحوا همومهم ومشاكلهم ومطالبهم التي لا تخلو في كثير من الأحيان من النقد اللاذع, ويأخذ ذلك التعبير طرقا متعددة ويتبع وسائل مختلفة اعتمادا على مكانة الفرد في المجتمع وقدراته الإبداعية وأشكال ومفردات ذلك الإبداع, وما يتمتع به من خصائص ومستويات علمية ومعرفية,”
ـــــــــــــــ
حرية التعبير حق أساسي ومهم في إطار المنظومة المرتبطة بحقوق الإنسان, ويأتي هذا الحق في مقدمة الحقوق التي تكفلها القوانين والأنظمة والقيم الديمقراطية التي تستوعب في منظومتها كل الآراء والملاحظات والأفكار مهما تباينت واختلفت, وقد حارب الإنسان على مر التاريخ من أجل الحصول على حقوقه في حرية التعبير وفرض هذا الحق وتحقيقه ممارسة على أرض الواقع, فمعظم الثورات والمظاهرات الشعبية والاحتجاجات الغاضبة تثور وتشتعل وتتفاعل من أجل المطالبة بحرية التعبير, بل إن تكميم الأفواه وغياب حرية التعبير ومحاربة الكلمة الصادقة من قبل الأنظمة السياسية وملاحقة المخلصين والمثقفين والمناضلين من أجل كلمة حق عبروا من خلالها عن وضع قائم يعد عاملا أساسيا لتلك الثورات, فحرية التعبير تمنح الإنسان الشعور الحقيقي بالحياة وخنق الكلمة وإسكات صاحبها قتل للحياة, وقد اعتاد البشر طوال المراحل التاريخية للحياة أن يتحدثوا بحرية وأن يعبروا عن مشاعرهم ورؤاهم واحتياجاتهم وأن يطرحوا همومهم ومشاكلهم ومطالبهم التي لا تخلو في كثير من الأحيان من النقد اللاذع, ويأخذ ذلك التعبير طرقا متعددة ويتبع وسائل مختلفة اعتمادا على مكانة الفرد في المجتمع وقدراته الإبداعية وأشكال ومفردات ذلك الإبداع, وما يتمتع به من خصائص ومستويات علمية ومعرفية, فتعبير الشاعر على سبيل المثال يأخذ في طابعه نصا شعريا, والفنان التشكيلي يعبر عما في داخله بريشته التي تبدع لوحات فنية تتحدث كل لوحة عن موضوع يريد الفنان إيصاله إلى فئة أو شريحة من الناس وفي مجملها فهي تتحدث عن فكر ورأي ذلك الفنان, والكاتب سواء أكان قاصا أم روائيا أم كاتب مقالة فسوف ينقل ما يريده من قناعات إلى الآخرين عبر نصوصه الروائية أو القصصية أو المقالة, وهكذا الحال بالنسبة للممثل المسرحي والصحفي إلى آخره, ويعبر الإنسان العادي عن الواقع الذي يعيشه في كلمات بسيطة في بيته مع أسرته أو في مكان العمل والسوق والمقهى مع أصحابه وزملائه فالحياة في بساطتها أي في الماضي وفي ظل غياب الوسائل والطرق والأجهزة الاستخبارية والأمنية والإعلامية المتطورة التي ترصد الكلمة وتتبع الخطوة تحرره من سلطة المراقبة والمتابعة والملاحقة وتجعله بعيدا عن يد السلطة, وهذه البساطة التي تمنحه الحرية تشعره دون شك بالراحة والاطمئنان .. حرية التعبير المحمية بسلطة القانون هي نافذة الحياة التي يبحث عنها ويرعاها ويملكها الإنسان فعلى ضوئها المشرق تنتقل الحقائق وتتبين وتتضح المؤشرات وترسم الاستراتيجيات ويتحقق التطور, ومن خلالها يستطيع هذا الإنسان أن يعبر عن رأيه وأن يطرح ملاحظاته ويقدم أفكاره وآراءه ويناقش مع جهات الاختصاص قضاياه وهمومه ومشاكله ويحصل على حقوقه, والحرية التي تستوعب جميع الآراء والتوجهات بغض النظر عن تبايناتها واختلافاتها قادرة على حماية المجتمع من التعصب ومن أسقام الطائفية والمذهبية, وقمع الأصوات والتضييق على الحريات بقوة السلاح ورجال الأمن وطرق الاستخبارات ستؤدي في نهاية الأمر إلى الانفجار وخروج الناس إلى الشارع وهذا ما سيؤدي إلى مخاطر كبيرة خاصة عندما يحدث بعد فترة من الكبت والقهر والتضييق والالتفاف ورصيد متراكم من الأحقاد والكراهية والضغائن .. وفي الوطن العربي عانى المواطن وما زال من التضييق على حرية التعبير والعمل بطرق ووسائل وصور مختلفة على تكميم الأفواه وكبت الكلمة الصادقة الناقلة للحقيقة, ففي الوقت الذي يستشري فيه الفساد في مؤسسات النظام الرسمي, ويسعى المنتفعون والمستفيدون والنافذون وكبار المسئولين في النظام إلى خدمة مصالحهم واحتكار جميع الامتيازات والمكتسبات والفرص من أجل توسيع أعمالهم وتسمين أملاكهم وتضخيم أرصدتهم في البنوك على حساب الشريحة الواسعة والكبيرة من أبناء المجتمع الذين يواجهون صعوبات جمة ومشاكل عديدة تستفحل وتتزايد وتتناسل يوما بعد آخر, تتسع دائرة الفقر ويزيد عدد الفقراء وترتفع مؤشرات الباحثين عن عمل وتتقافز أعداد الذين لا يحصلون على تعليم مناسب والذين لا يجدون مسكن ملائم ومع ذلك كله ترتفع تكلفة المعيشة بارتفاع أسعار السلع الأولية وتراجع وضعف الدخول , ومع هذا الوضع القاسي والبيئة الضاغطة لا يستطيع الإنسان في العديد من البلدان العربية على الشكوى وعلى النقد وعلى المطالبة بالحقوق والحديث بصوت مسموع عن الظلم الممارس عليه وأشكال وصور الفساد الواسعة التي يأتيها كبار المسئولين وأتباعهم والمنتفعين منهم بسبب الكبت والتضييق على حرية التعبير, هذا الواقع المؤلم الذي عاشه المواطن العربي كان سببا رئيسيا لانفجار الغضب وقيام الاحتجاجات والمظاهرات الحاشدة التي شهدتها المدن العربية وأفضت إلى ما أفضت إليه من نتائج.