تتراكم الصور في العدوان على غزة، إلا أن الفصل في ما بينها واضح، كل صورة تعلمنا حقيقة ما يجب ان نعمله وما هو المخفي الذي يتخذ لبوسا. من المؤسف ان أبرز تلك الصور تقدم لنا واقعا نصدق ألوانه، ومؤداه أن العرب ليسوا في موقع الوسيط في الحرب، بل إن بعضهم مشارك فيها، مؤيد لها، عامل على تسعيرها.
ففي الأسبوع الرابع للعدوان الإسرائيلي على غزة، فقدنا الأمل بحراك عربي مؤازر لأهالي غزة، حتى أن بعض الكلمات العربية الخجولة التي خرجت مؤخرا وتناولت ما يجري ضد الغزاويين لم تشر لا من قريب أو بعيد للمسبب في هذه الحرب، بل لم ترد كلمة إسرائيل في كلماتها القليلة عن ذلك العدوان الذي تهتز له الأرض.
لكن إحدى أبرز الصور الجميلة الجليلة المليئة بالمعاني النضالية والإنسانية والمؤازرة تأتينا من أميركا للاتينية التي اذا قارناها بالبعد المكاني فهي خارج محيطنا، بل هنالك آلاف الكيلومترات التي تفصلها عنا، لكننا امام ظاهرة ابعد من التعاضد، هي احساس بأن العدو واحد وبأن ما تمثله إسرائيل ليست سوى امتداد للعدو الاميركي الذي يقلق شعوب اميركا اللاتينية وقواها السياسية، ويزيد دوما من تآمره السياسي والاقتصادي والعسكري عليها وما إسرائيل سوى الخندق المتقدم فيها، وهنا نحن امام ظاهرة تمثلها كوبا التي اسقطت منذ زمن كل علاقة لها بإسرائيل، وكان قد تبعها المناضل الفنزويلي تشافيز، وهاهي رئيسة الارجنتين تسقط هوية كل ارجنتيني يحمل الهوية الإسرائيلية، بل إن الرئيس البوليفي ايفو موراليس يضم إسرائيل الى الدول الارهابية، وكذلك حال تشيلي والسلفادور وآخرين، بل وهاهي دول الميركوسور ( البرازيل والأورجواي والبراجواي والأرجنتين وبوليفيا وفنزويلا) تقرر إلغاء كافة الاتفاقيات العسكرية والمدنية والتي تقدر بالمليارات مع العدو الإسرائيلي احتجاجا على عدوانه الهمجي على غزة .
ان عالما بهذا النبل لايمكن سوى مبادلته بالشكر على مواقفه التي تجاوزت الكثيرين من ابناء جلدتنا وفي طليعتهم جامعة الدول العربية التي من ابرز مواصفات نظامها الداخلي الدفاع عن اعضائها عند المحن الكبرى، فإذا اضفنا الصور المتراكمة التي قلناها في البداية عن هؤلاء العرب الذين ينفذون اليوم رغبات الاجنبي، يفتحون له شتى الطرق من اجل تحقيق غاياته، ويعملون بلا هوادة على تحطيم روح المقاومة التي جاءت لإعادة الاعتبار الى هدف طرد المستعمر والمحتل وتحرير الأوطان وتحقيق غايات الشعوب في العدالة والإنسانية والرخاء.
ان مشهد دول اميركا اللاتينية وهي تتقدم الصور المتلاحقة عن الدعم المعنوي لغزة الجريحة، اضافة للعزة الغزاوية التي تصنع فجرها الخاص، وليس فقط فجرا عربيا، ونقول فجرها الخاص، لأنها حالة عربية تجاوزت كل الحالات التي عرفناها في السابق، بل صارت غزة نموذجا للتضحية من جهة، والجهاد الكبير من جهة أخرى، شراء الحرية بشلال الدم، بل انتصار الدم على السيف.
إن العدوان الإسرائيلي على غزة سينتهي عاجلا او آجلا ، لكن ما أفرزه في الواقع سيظل قائما وقد يتفاعل، ان الكثير من الذكريات الأليمة التي يستند لها التاريخ العربي، ما زالت أسيرة الكتب والارشيفات، لكن من نافل القول إن صورة العرب من حرب غزة الآخيرة ستظل عارا قد لاتمحوه الايام والاعوام، فيما الموقف الاميركو لاتيني سيظل فخارا مشارا اليه بأنه نور في ليل عربي مظلم.