[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
ما زال صوته يرن في أذني رغم صمته إثر الهزيمة الكبرى في يونيه 1967.. مات أكبر مذيعي العرب مدير إذاعة "صوت العرب" أحمد سعيد بعدما تم تحميله مسؤولية إعلام لم يكن مسؤولا عما كان يقدم له.
واحد إثر واحد تساقط رموز المرحلة الناصرية .. لكن أبرزهم هذا الإذاعي الذي كان محاربا بكلامه وصوته، وبهذا الدور المهم أسقط أنظمة، وعرّى أخرى، وربما كان خبر ابتعاده عن الإذاعة من أسعد أيام الصهاينة في إسرائيل، بل أسعد أيام البعض أيضا.
جيلنا يعرف تماما من تكون إذاعة "صوت العرب" .. بإمكانيات بسيطة متواضعة، كانت الإذاعة التي نطقت بعناوين مرحلة، مسترشدة بحضور مميز للغاية للزعيم الراحل جمال عبدالناصر.
في تلك المرحلة، ووجه أشبه مع حال أيامنا قريب، كان عبدالناصر ببرنامجه العروبي بدءا من قيم الوحدة العربية، وتحرير الوطن العربي من الاستعمار، وتحرير فلسطين، وإقامة العدالة الاجتماعية، وشعارات كبرى لها قيمة ومعنى في الحياة العربية، قد أسس له أصواتا دعائية هي عبارة عن إذاعات موجهة إلى العالم العربي، كان أبرزها إذاعة "صوت العرب" التي كان مديرها أحمد سعيد، وصاحب برنامج لاذع قائم على النقد السياسي وعلى التجوال النقدي بين أحوال العرب وأزماتهم في ذلك الحين.
كان هذا الرجل صوته يرن في كل دار عربية حاملا أنفاس عزيمة لم يبلغ عربي مثلها إعلاميا. لم يترك أخصام عبدالناصر، وكانوا كثر ، من نقده اللاذع، ومن أسلوبه الفريد، ومن كلامه الذي يظن لأول وهلة أنه وصل إلى مبتغاه.
من المؤكد أن الأجيال التي ولدت بعد مرحلة الهزيمة تلك لا تعرف من هو أحمد سعيد، ولا من يكون، بل هي لا تكاد أن تتعرف على مرحلته التي ما أن توفي زعيمها عبدالناصر حتى وجهت السهام إليه، وأقيمت النعوت الكاذبة عنه .. بحثوا كثيرا عما إذا كانت له أخلاقيات شائنة فلم يجدوها، فتشوا في كل مصارف العالم والمصارف المصرية والعربية فلم يجدوا له قرشا واحدا، بل دين مترتب عليه كان حصل عليه من المصرف المركزي المصري من أجل تأمين شقة لابنته منى.. الذين حاربوه في حياته، واصلوا إطلاق الرصاص عليه ولم يتركوا كلاما جارحا إلا وقالوه فيه بعد وفاته.
وفي يوم الهزيمة المشار إليها، كان أحمد سعيد يذيع بيانات صادرة عن قيادة القوات المسلحة، اعتبرت يومها كاذبة في معلوماتها، فإذا به يتحمل مسؤوليتها صمت إلى الأبد، بل خرج من الإذاعة، وهو في الأصل لم يكن يذيع من عندياته، بل ما كان يأتيه من قيادة الجيش. إحدى وخمسون سنة من السكوت التام أمضاها الرجل بعيدا عن المكان الأحب إليه، ثم بوفاة عبدالناصر بعد ثلاث سنوات من تلك الحادثة، أقفلت الستائر تماما على وجوده، فعاش على مرحلة كان فيها صوتها وناقدها والرسائل التي كان فيها النظام يريد إيصاله إلى من يهمه الأمر.
هكذا يتساقط تاريخ ولا يجرى له جنازة تعبر وسط القاهرة كي لا تضيع بصماته، ولكي لا يقال إن ثمة زعيما كبيرا اسمه جمال عبدالناصر قد مر مرور الكرام، وأن يحرقوا صورته في أحد المسلسلات العربية التي ظهرت خلال هذا الشهر.
وهكذا كلما أتت أمة لعنت أختها، كل العزاء على ماض لا يريد أهل الحاضر الاعتراف به، لكنه كان، وكلمة كان فعل ماضٍ من مضى!