في قراءاتنا الفنية الأسبوعية لتجارب الفنانين التشكيليين العمانيين سنسلط الضوء في هذا العدد من أشرعة على أحد الأعمال الفنية لفنان عريق ورائد ومؤسس في الحركة التشكيلية العُمانية عموماً ولمجال فن الحفر (الجرافيك) على وجه الخصوص إنه الفنان سيف العامري صاحب التجربة الأغنى في تخصصه الفني الذي استمر قرابة ثلاثين عاماً ، وقد عاش هذا الفنان في خضم فكر متطور عبر مسيرته الفنية الطويلة حشد معها رسماً أنيقاً وبعداً شع من تراكيب شخصيته الفنية الأصيلة التي نسجها منذ زمن طفولته الممتدة مع الشذرات الأولى للحراك التشكيلي في سلطنة عمان لترتوي فيما بعد مع الزمن ململمة معها الأفكار والرؤى التي تتصاعد في وعيه يوماً بعد يوم ولا سبيل إلى إظهارها سوى اللون والأشكال والسطوح . فالعامري خلال مسيرته الفنية الثرية بالتجارب يعيد صلته الحيوية والآسرة بالإنسان وتراثه وغموضه والتباساته وما يعيشه في هذا العالم من متناقضات بين الألم والأمل ويستثير المتلقي بأحاسيسه ومشاعره من خلال أسلوب فن الحفر الذي سكب فيه حبه وشغفه وبات هاجسه ومحركه الإبداعي المتجدد ، فعلى الرغم من قدم هذا الفن وعراقته إلا أن العامري ما زال يمنحه هويته المتجددة في أعماله ، وهي محاولة منه للارتقاء بالتصوير النصي لتجريداته الذهنية لبناء علاقة تصميمية تقترب في حضورها الدلالي من الإمساك بطقوس التفاعل الحر مع المفردات الشخصية الإنسانية والعالم المحيط بها على سطح اللوحة . فالفن كما أحسست به عند سيف العامري يبقى اشتغالاً في ميدان التساؤل وحاجة انسانية داخلية وليس ترفاً جمالياً يتسيج ويتزوق بالألوان إنما هو استئثار بالمعنى عبر طروحاتٍ شكليةٍ تستعرضهُ في مساحاتٍ لونيةٍ ومعمارية بهدف الوصول بكائناتهِ الى بُقعٍ ضوئيةٍ تغتسلُ بالصّمتِ ليكشف لنا من خلالِها روعة الحياة برغم صَرامةِ هذا العالم الذي ينقلنا بين اوهامهِ واحلامهِ وأسْيِجَتِهِ.
ولقد اخترت له من بين أعماله هذا العمل الفني المتناغم في موضوعه وأداءه الذي انسل من بين روحه معبراً عن حالة بائسة من الويلات التي تمر بأمتنا العربية والإسلامية ، وقد جسدها في أبلغ معانيها من خلال الرموز التي وزعها ببراعة تامة على السطح ، وأضفى عليها الألوان بحكمة تعبيرية دقيقة ، حيث نرى على أسفل الزاوية اليسرى من العمل عنصر تجريدي لأم تحتضن وليدها وبجانبها طفل يرمق أمه وكأنه يتسائل عن ما يسمعه من قصف دب رعبه في صدر أمه وجعلها تضم رضيعها بكل هذه الشدة إلى صدرها لتحميه من أي ضر قد يلحق به . فالأم هي الأكثر معاناة في مثل هذه الويلات ، لما أودع الله قلبها من الحنان والحب وكره أصوات الخوف والهلع وسفك الدماء، ويظهر على يمين العمل سراج مات ضوءه وظل مكانه ينتظر من ينيره ليوقد الأمل في حياة هذه الأمة التي عانت الكثير من سوء الفكر وضلال الرأي فظلت ترزح زمناً تحت ويلات القتل والدمار ، حتى السماء الزرقاء الجميلة تشوهت ولم تخل من دماء بشرية فُجرت بكل وحشية وقسوة هناك . والطيور رحلت معلنة الحداد على بني البشر ممن سولت لهم أنفسهم قتل بني جلدتهم ، وكأني أسمع صوت الشجرة أسفل العمل تئن في يباسها ولو كتب لها الرحيل لرحلت مع الطيور من تلك الأرض الظالم أهلها . إلا أن العامري أشار إلى نور أكبر من هذه الظلمه وإشراقة ربانية ستحل على هذه الأمة ولو بعد حين وسيعم معها بإذن الله وهج السعادة والخير وستنعم البشرية جميعاً برحمة الله ونصرته لعباده ، وقد رمز لذلك الأمل بالشمس المنيرة وبحجم أكبر من كل شيء في أعلى العمل ليبعث في أروحنا البشرى والسعادة بأن مع العسر يسراً بإذن الله.

عبد الكريم الميمني
[email protected]