من المفارقات في الأزمة السورية أنه في الوقت الذي تتوالى فيه المحاولات لطمس المشهد السياسي والتي من بينها الاستماتة في وضع العراقيل على الطرق الموصلة إلى مؤتمر جنيف الثاني، يتم تصدير المشهد الإنساني الماثل في الأوضاع المأساوية للاجئين السوريين سواء في الداخل أو الخارج، في رفض واضح لوضع الإصبع على جرح الأزمة والألم.
وتكمن المفارقة في أن الذين يعزفون على وتر الإنسانية ويذرفون دموع التماسيح على الأوضاع المزرية التي حلت بالشعب السوري وتحديدًا اللاجئين هم مخالب القط في هذه المأساة، فمن يعطل الحل السياسي ويدعم مقابله الإرهاب ويجند الإرهابيين والتكفيريين والمرتزقة ويجلبهم من أصقاع العالم ويفتح لهم مراكز تدريب، ويعقد لهم صفقات تسلح ضخمة، هم أولئك المتسببون فيما يحدث الآن من دمار وخراب هائل لسوريا، وهم المتلطخة أيديهم بدماء الشعب السوري الذي يسعون إلى إبادته ونفيه من وطنه، دافعين بأدوات إرهابهم لقتله واختطافه وتهجيره.
ولذلك فإن حديث هؤلاء عن الوضع الإنساني ودعوتهم الآخرين للتبرع بالمساعدات الإنسانية ـ وإن كان هناك من إنسانيته وضميره وعقيدته تدفعه نحو ذلك ـ ما هو إلا تغطية لجريمتهم الكبرى على الأرض السورية التي تنطق وقائع وأحداثًا يندى لها الجبين من فرط ما ارتكبته عصابات الإرهاب المدعومة من قبلهم، وبالتالي فإن تعطيلهم للحل السياسي بمحاولة عرقلة مؤتمر جنيف الثاني ووضع الشروط التعجيزية، وقصر تحركهم على الجانب الإنساني، هو نوع من أنواع المتاجرة بحقوق الشعب السوري، ولا يعطي إلا تفسيرًا واحدًا وهو أن الهدف من جمع الأموال هو إبقاء اللاجئين السوريين في مخيماتهم لأجل استمرار القتل في من بقي منهم في الداخل ومواصلة التدمير للبنية التحتية؛ لأن الأمر لو كان بخلاف ذلك لرأى الجميع توازيًا في التحرك نحو المسارين السياسي والإنساني بحيث يتم تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية للاجئين وللسوريين الذين حاصروهم وفرضوا عليهم عقوبات اقتصادية ظالمة في الداخل بجانب الحل السياسي والتوقف عن دعم الإرهاب، والتمهيد لعودة جميع من هجرتهم عصابات الإرهاب إلى مدنهم وقراهم أو تركوها بمحض إرادتهم.
على الجانب الآخر، من المهم الإشارة ـ لمن يجهل أو يتجاهل ـ إلى أن الشعب السوري قبل الأزمة لم يكن بحاجة إلى من يقدم له مساعدة إنسانية، وإنما كان المواطن السوري المثل الأبرز في الاعتماد على النفس في توفير لقمة العيش واستغلال أرضه والوفاء لها، فمأكله ومشربه وملبسه ومسكنه من أرضه، بل إن الشعب السوري كانت أياديه ممدودة بخيرات أرضه إلى أشقائه العرب من عرقه وكده، ويكفي أن سوريا لم تكن رهينة للمؤسسات الدولية الدائنة ولو بدولار واحد، إلا أن حقد الحاقدين وإرهاب الإرهابيين وتبعية العملاء يرفض رؤية شعب سوريا بهذا الكفاف والعصامية والبذل والعطاء، ويكره أن تساند سوريا أشقاءها المظلومين الواقعين تحت براثن الاحتلال الصهيوني وتنافح عنهم، فكان خيارهم سكب زيت حقدهم وكراهيتهم ونار إرهابهم على النحو الذي نراه.