[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fawzy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]فوزي رمضان
صحفي مصري[/author]
” إن مشاهدى مباريات كرة القدم ، يستطيعوا أن يستمتعوا بالإثارة المستمدة من معركة تدار رحاها على أرض الملعب ،وهم يدركون في ذات الوقت أن أيا من اللاعبين أوالجماهير، لايحتمل أي نوع من الأذى، لذا هناك فرق بين التنافس الرياضي والصراع السياسى، وهو مايطلق عليه بالصراع الصفرى، ففي المجال الرياضي الفائز يحصل على نقاط المباراة كاملة،ولا يبقى للخاسر سوى الصفر ، مهما كان تفوقه الرياضى، عكس الصراع السياسى،”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

استطاعت تلك الساحرة المستديرة ، أن تأسر شغاف القلوب ، وتستقطب حواس مجمل الشعوب ، في الأصل كرة القدم لعبة للترفية، كمصارعة الثيران ومناطحة الديوك، فيها الصراع الغائر في خلجات النفس البشرية وفيها المنافسة إلى حد الكراهية ، وفيها الصراع من أجل إثبات التفوق ، يعتبرها البعض ركلة هدف في مرمى الخصم، أو إحراز فوز على منافس ضد، قد تكون فعلا هدفا ماديا محسوسا، في مرمى الشباك المعلقة على خشبات ثلاث، طرفي أرضية الملعب، لكنها تسجل أهدافا أخرى غالية القيمة، وباهظة الثمن بين أيدى السياسيين ورجال الأعمال.
إن كرة القدم تخلف أثرا واسع النطاق،على الرأى العام الوطني والعالمي ، وان ارادة الجماهير في التلويح باعلام فرقهم او دولهم، وعزف النشيد الوطني في المنافسات الدولية، والاغاني الجماعية لروابط المشجعين، يكون نتيجة لشحذ الانتماء المحلى، او اذكاء الحس الوطني، أو تأصيل المواطنة لدى الجماهير، ولما كانت كرة القدم ،هي الرياضة الجماعية الاكثر شعبية، التي تنافس فيها فرق وطنية ، يلعب كل منها باسم دولته ،فقد استغلتها الحكومات المحلية، للسعي الى استغلال فوز الفريق الوطني لبلدها، ونسبه لنفسها او لسياستها، او تحوله الى نصر وطني بغية اذابة الفرقة، بين اطراف المجتمع ورغبة في جمع الاضاد ،على نصر مستحق تحت راية علم الدولة ونشيدها الوطني.
كرة القدم ... عالم من المال والاقتصاد يفوق عشرات المليارات من الاموال، فمن بزنس سمسرة شراء اللاعبين، وأجورهم الفلكية الى شراء الاندية من قبل رجال الاعمال، الى دفع الرشى في شكل اموال كانت ام عطايا، ولقد ازدادت العلاقة بين الرياضة والسياسة والاقتصاد، وازداد هذا التشابك في عهد جوزيف بلاتر، الذى تحولت في عهده الفيفا الى فاعل دولي، في المعادلة الاقتصادية والاستثمارية والفساد ايضا، في منظومة الاقتصاد العالمي.
الساحرة المستديرة ، وان كانت وسيلة للترفيه، واذكاء الروح والاخلاق الرياضية، فقد استخدمت ايضا كسلاح دبلوماسي للقادة السياسيين، كان للمقاطعة الدبلوماسية بين بريطانيا وروسيا، بعد ان تعرض جاسوس روسى سابق وابنته للتسميم، بغاز الاعصاب على ارض المملكة المتحدة، والتى تتهم فيها روسيا بالوقوف وراءه، فقد قررت تريزا ماى رئيسة الوزراء البريطانية، ان اي عضو من العائلة الملكية، لن تطأ قدماه روسيا لمساندة المنتخب الانجليزى لكرة القدم، في منافسات كأس العالم 2018 التى تقام فعالياتها غدا.
ولكون الصراع السياسى على المحك، بين الفلسطينيين وبين الاحتلال الاسرائيلى، استطاع الاحتجاج الفلسطينى والعربى وكذلك الشعبي الأرجنتيني، ان يلغي مباراة ودية كانت مقررة، بين المنتخبين الارجنتيني والاسرائيلي في القدس، ليخرج رئيس الوزراء الاسرائيلى نتنياهو ، ويصرح ان الفريق الارجنتيني خضع للذين يضمرون الكراهية لاسرائيل، وكانت رسالة الشعب الفلسطينى واضحة للارجنتين، لاتجعلوا ميسى وهو رمز للمحبة والسلام، ولاعب يعشقه ملايين العرب، ان يكون جسرا لتبيض وجه الاحتلال الصهيونى( رغم أن اللعب ضد المنتخب الاسرائيلي كان برغبة من ميسي تحديدا)، وان لا يكون كذلك اعترافا بقرار ترامب، بإعلان القدس عاصمة لدولة اسرائيل.
حتى بين الاشقاء كادت تلك الساحرة المستديرة، ان تؤزم العلاقة الاخوية الوطيدة بين مصر والجزائر، من خلال المباراة المؤهلة لبطولة كأس العالم فى جنوب افريقيا 2010، والتى أقيمت بين فريقي الدولتين،على ملعب ام درمان بالعاصمة السودانية، ورغم فوز الفريق الجزائرى بنتيجة المباراة، الا أن شغب بعض الجماهير الجزائرية ،التى حولت ساحة الملعب الى ميدان للعراك، التقطته وسائل اعلام كلتا الدولتين، لكيل كلاهما للاخر كما من الشتائم ،والتحريض والقذف والسب، كاد ان تصل لقطيعة دبلوماسية، تمحو المواقف البطولية لجمال عبد الناصر فى مساندة ثوار الجزائر وكذلك الموقف المشرف للرئيس الجزائرى هواري مدين فى دعم مصر اثناء حرب اكتوبر 1973 .
ان مشاهدى مباريات كرة القدم، يستطيعون ان يستمتعوا بالاثارة المستمدة من معركة تدار رحاها على ارض الملعب ،وهم يدركون في ذات الوقت ان ايا من اللاعبين اوالجماهير، لايحتمل اي نوع من الأذى، لذا هناك فرق بين التنافس الرياضي والصراع السياسى، وهو مايطلق عليه بالصراع الصفرى، ففي المجال الرياضي الفائز يحصل على نقاط المبارة كاملة، ولايبقى للخاسر سوى الصفر، مهما كان تفوقه الرياضى، عكس الصراع السياسى، حيث يحسم الخصم المعركة لصالحة، ولايبقى للطرف الاخر سوى الاستسلام، بكل ما تنطوى علية من الام مادية ومعنوية، لكن مهما طال الزمن، فان الطرف المهزوم يسعى للانتقام، وتكون ممارسته نحو الثائر الجماعى، بمعنى ان لديه فرصة للتعويض ،عكس الهزيمة فى الملعب وهو ما يفسر لنا مدى الشحن النفسي، وتأجج روح الانتقام الفوري، من بعض الجماهير لتفريغ شحنات الهزيمة، وفي كلتا الحالات هناك صقور سياسة تجارية تنتظر الهدف ،لايعنيها هنا نتيجة المبارة، بقدر مايشغلها البزنس السياسي اوالتجاري.