[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2017/03/rajb.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. رجب بن علي العويسي[/author]
أتى الصيف، ينشر على الوجدان مظلة الراحة والسكون، ويبعث في المزاج فرص التغيير والرقي والاستمتاع، ويهدي الفكر مساحات أكبر للتأمل في بديع صنع الله في الكون وكرمه الممتد، وما سخّره للإنسان من تنوع في البيئات الحيوية، وتكامل في مناخاتها المتنوعة، ولعل ما يميّز صيف هذا العام، أنه جاء بعد فترة سكون واستقرار في البيوت،بدأت مع شهر رمضان المبارك وانتهاء بعيد الفطر السعيد، وارتبطت بمواقف ومبادئ ودروس حملت الخير للإنسان،بما حمله من معاني ومفردات، ومبادئ وحكم وممارسات، وما أصّله من قيم وأخلاقيات وموجهات، وما أكسبه للفرد من فرص مراجعة حساباته، وإعادة النظر في ممارساته الحياتية، وأصّله من قيم العطاء والحب والتعاون والالتزام والصبر ومجاهدة النفس،وأسّسه من مسارات الفرح والبهجة والسرور، وزيادة أسباب الألفة بين البشر تحقيقا للوئام، وتأكيدا للأجر والمثوبة.
في الصيف تتعدد الاختيارات وتتنوع الخيارات وتبرز لدى الفرد فرص أكبر نحو السفر والاستجمام، وزيارة وجهات سياحية متعددة يطوف فيها العالم من حوله، حيث الطبيعة والتاريخ والتراث والثقافة والفنون والبيئة الحيوية الساحرة ، والمناظر الخلابة والحدائق والغابات ، حتى أصبحت لدى البعض سلوك معتاد، وعادة ممارسة بانتظام، واستعدادات وجاهزية مبكرة لفترة استجمام واسترخاء قادمة، إنها فترة للنقاهة والشعور بجماليات الحياة،وتغيير نمط الروتيني اليومي، وإضافة بعض الابتكارية فيه ، فرصة لإعادة الحياة بثوب جديد، والنظر إليها في ظل طبيعتها العفوية المتسامحة والمتصالحة مع البشر، تجمع الناس في مساحاتها الغنّاء وبساطها الأخضر، وظلالها الوارفة، ورذاذها الهادئ، وعيونها الجميلة، وشلالاتها المنسابة،ومناخاتهاالمعتدلة، تسكب على الروح بردا وسلاما، في بهجة المناظر، وروعة الأماكن، وجماليات الطبيعة وسحرها الأخاذ، وقد استزاد الناس من أيامهم الماضية ما يعينهم على بلوغ هذه الميزات وتحقيق أفضل الممارسات، وتعميق شعورا في النفس لا يوصف انبهاره، أو يُحتوى اختصاره، فهي مغذيات لصيف آمن يحمل متعة الإبهار وسكينة النفس وبلسم التفاؤل.
إن البحث في هذه المواسم، أحد الموجهات التي تضع للمواقف ذكرى، وتمنح النفس على مر الأيام ذاكرة حسنة في جمالها وجلالها وتسامحها وروحها الأبية ورونقها الزاكي، فتعكس ممارسة الفرد في الصيف وانطباعاته وقراءاته لواقع السلوك وردّات الفعل الحاصلة في ارتفاع درجات الحرارة وغيرها منهج التفاؤل والهدوء، بحيث يجعل في أولوياته تحقيق أعلى درجات السعادة والأمن والطمأنينة والاستقرار لنفسه وأسرته ومجتمعه، في عيش صيفا جميلا بابتسامته وعبير تواصله ورونق مبادئه وسمو خصاله وانطلاقة مهامه، بعيدا عن أي منغصات للنفس أو معكرات للمزاج أو مضيعات سلبية للوقت، أو ملهيات عن الأولويات، وهي محددات تتطلب مستويات أعمق من الوعي والشعور بقيمة هذه النعم العظيمة التي تتجلى للإنسان والمحافظة على إيجابية هذا السلوك من أجل صيف يحمل عوامل نجاحه للإنسان واستقراره.
عندها تصبح الممارسة الصيفية المطلوبة متوافقة مع هذه المبادئ، ساعية لتحقيق هذه النُهُج، واعية بقيمة الطبيعة الجميلة، محافظة عليها، عارفة بما لها من حقوق وواجبات، ويصبح الفرد خلالها قادرا على التعامل مع المواقف، يمتلك حس المعرفة وكفاية المعلومة بالوجهة التي يريد، والثقافة التي يتفاعل معها، والناس الذين يخالطهم، حتى تكون له دليلا وهاديا ومرشدا من الوقوع في المحظور، حاملا معه ما عليه أن يُبرزه لجهات الأمن في وطنه وخارجه من بطاقة الهوية الشخصية وجواز السفر والتأشيرة الالكترونية وغيرها، ، عارفا بالآداب والمبادئ والأخلاقيات التي عليه أن يرسّخها في تعامله مع المرشدين السياحيين أو البيئات السياحية والترويحية التي يزورها،ملتزما القوانين والأنظمة واللوائح ، مدركا ثقافة الآخرين وهويتهم، وطريقة لبسهم وآلية تعاملهم وأسلوب عملهم، ليصبح صيفه طريقا للسعادة، ومدخلا للتصالح، ويكسب خلالها بناء علاقات ود مع الأصدقاء والأهل والأرحام، ملتزما مبدأ الضبط في كل أحواله، مقتصدا في الانفاق، ملتزما سلوك الاتزان والحكمة والهدوء عند تخليص إجراءات سفره في المنافذ البرية والجوية على حد سواء، حسن الخلق، طيب المعشر،يمتلك بر الاستعداد والجاهزية ، والشعور بالمسؤولية الشخصية نحو ذاته بالمحافظة عليها، محافظا على ممتلكاته الخاصة، عاملا بما عليه فعله في مواقع المنتزهات والمواقع السياحية والترويحية من النظافة ورمي النفايات في أماكنها، والتأكد من صلاحية بطاقات الصرف المالي، وقانونية النقود المصروفة، وإعلام الأسرة بالأماكن التي يتجه إليها إن كان بمفرده أو أصدقائه ، والمحافظة على الأسرة أثناء السفر بعدم تعريضها للمخاطرة أو المجازفة العشوائية، ومراقبة الأبناء من الاقتراب من البرك المائية أو الشواطئ ، ومعرفة الأماكن الخطرة والمشبوهة في تلك البلدان، وقراءة التعليمات التي ينصح بها الأمن وجهات الاختصاص وسفارات السلطنة وقنصلياتها في تلك الدول، بما يضمن الابتعاد عن أماكن المظاهرات والتجمعات السياسية والحزبية،
أوالدخول في التحريض للدعوات الترويجية والدعائية أو التواصل مع الجماعات المتطرفة وغيرها، إذ سيجنبه ذلك الكثير من الإشكاليات والوقوع في المحظور والتعرض لأي حالات استفزاز أو اعتداء أو سرقة ،إنّ الصيف بذلك محطة جديرة بالاهتمام في حياة الإنسان يرصدها في ذاكرة أيامه ، ويسجلها في أوراق مذكراته، لذلك كان عليه أن يحافظ على خصوصيتها، بتقنين تداولها في شبكات التواصل الاجتماعي أو المدونات أو جروبات الواتس أب ، لتبقى منزل للسمر العائلي والفرح الأسري لمزيد من الحب والألفة والود ، فهو بكل أجندته ومعطياته ، فرصة للمراجعة والتقييم ، وإعادة صياغة الواقع الشخصي، وطريقة احتساب التجربة والخبرة، وبناء روح مرحة قائمة على احترام ثقافات الشعوب وخصوصيتها، وقيم العيش والتعايش وأساليب الحياة التي يمارسونها، وبالتالي تبرز لدى الفرد قيمة الثقافة والفكر الخلّاق، والتسامح المنطقي العادل المتأصل في هوية الإنسان العماني وأخلاقه، الواعي بحقوقه، العارف بواجباته، والمدرك لأبعاد التحول الذي ينبغي أن يرافقه في مدرسة الصيف والدروس التي يتعلمها لمزيد من الإتقان والفهم فتصبح جزءا من نشاطه وحيويته وانطلاقته التي لا يساومه عليها أحد .
إنّها دروس متعلمة في مدرسة الصيف، نقرأ فيها موقعنا كأفراد بين الشعوب وما نمتلكه من ثقافة وخبرة وتجربة وإرادة ، ونرصد حقيقة ما يجري في خطط المجتمعات واستراتيجيات الدول، وكيف تحافظ الشعوب على إنجازاتها،وتحفظ منجزها الأمني والسياحي ورصيدها التاريخي والثقافي والقيمي، وكيف تقرأه للآخرين، وكيف تدير الشعوب ثقافتها واستراتيجيتها في الحياة وتعبر عنها في مبادئ السلام وقيم العيش والتواصل بينها، ليكون طريقا لنهضة الأجيال القادمة ومحطة تجتمع فيها الأمنيات والأحلام لتنسج خيوط الأمل القادم عبر محطات الصيف الراقية،لتُبنى ذاكرة الصيف على وعي وبصيرة في عالم كوني متسامح تسخّر فيه الأرض للجميع للسير فيها والبحث في مكنوناتها، بعيدا عن منغصات الحروب والدمار ونزع الثقة فتحتوي جماليات الطبيعة وعفويتها الإنسان.وعليه فإن منابع الحكمة والاتزان في تصرفات الأفراد وقدرتهم على فهم ما يعنيه وجودهم في الصيف خارج بلدهم أو داخله من نقل قيمه ومبادئه وحضارته وسلوكه،الرهان الذي يضمن لرحلة الصيف المتعة والفائدة، لتبقى دروس الصيف مدد للفرد وزاد لقادم وقته وهو يحمل رسالة الوطن وأخلاقه، وينثر ورود الصفاء والنقاء ويصنع الأمن والأمان، أينما حل وارتحل.