تمتلك سلطنة عمان تاريخا غنيا يعود الى آلاف السنين، هذا التاريخ قدم مجموعة خصبة ومتنوعة من التراث الفني، تمثل في التراث البحري، والعمارة، والعادات والتقاليد العمانية، والحرف التقليدية، والزخارف التراثية، وغيرها، ويأتي اهتمام جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه- بالتراث الثقافي العُماني بشقيه المادي وغير المادي من سياسة السلطنة العُليا، وهذه السياسة تعي تمامًا أنَّ التراث ليس مجرد مفردة تنتمي إلى الماضي التليد، بل كائنًا حيّا يتفاعل مع الإنسان ويبادله علاقة التأثر والتأثير، ويلعب التراث الوطني دورا فعالا في تعزيز الهوية والتأكيد على الشعور بالانتماء إلى الوطن، فضلاً عمَّا له من جوانب أخرى هامة (تاريخية – ثقافية – اجتماعية - اقتصادية)، ومن هذا المنطلق كان لابد من ترسيخ وزارة التربية والتعليم بسلطنة عُمان لقاعدة الاهتمام، عبر تضمين مُفردات التراث الثقافي العُماني بشقيه المادي وغير المادي في مناهج مراحل التعليم المدرسي؛ الممتدة من الصف الأول إلى الصف الثاني عشر الثانوي.
لذلك تعتبر مادة الفنون التشكيلية كونها إحدى المواد الدراسية التي تقدمها وزارة التربية والتعليم بالسلطنة مدخلا حيويا لدراسة التراث الوطني والمحافظة على مكونات الهوية الوطنية، وأداة أساسية تنمي لدى الطلاب معرفة شاملة عن التراث بأبعاده المادية والإنسانية والاجتماعية والتاريخية والثقافية والجمالية، تساعدهم على تكوين اتجاهات وقيم إيجابية نحو التراث الوطني، وتقديره، والاعتزاز بتاريخه، من خلال الأنشطة التي يمارسها الطلاب في مختلف المجالات الفنية (التشكيل، التصوير، الرسم، النسيج، الخزف، التصميم، وغيرها) والتي توفر لهم السبل لتوظيف قدراتهم الفنية ومعرفتهم للأشكال والعناصر البصرية، التي تترجم أهم سمات ذلك التراث، في اكتساب المعارف والمهارات والقيم التي يحملها التراث الوطني في طياته، فيفهمون ذواتهم، ويتسع وعيهم بالبيئة والتراث، فيتمكنون من اكتشاف جماليات بيئتهم، وإنجازات أمتهم وتقاليدها، وهذا الاكتشاف يسمح لهم باكتشاف الجذور الخاصة بتراثهم، والتي تحمل في دلالاتها قيما تراثية واجتماعية وفنية، تعكس جوانب الحضارة العمانية في المجتمع وتطوره في كافة المجالات من اقتصاد وتعليم وفنون وغيرها من المجالات.
من هذا المنطلق تعتبر دروس مادة الفنون التشكيلية مجالا خصبا لتناول التراث الشعبي وإحيائه وتأصيله في نفوس وعقول النشء، فتجعلهم يتفاعلون ويعيشون الأجواء الشعبية القديمة ويمارسون الأعمال التي كان عليها الآباء والأجداد، ويكتسبون المعرفة والمهارة المرتبطة بالحرف الشعبية.
لذلك يعتبر الاهتمام بتدريس التراث العماني وما يرتبط به من سمات وعادات وتقاليد وثقافات وقيم، وتضمينه في مناهج الفنون التشكيلية بسلطنة عمان بمختلف المراحل الدراسية ضرورة ملحة، تمكن المتعلم من التعرف على التراث الوطني العماني وقيمه الجمالية في مختلف أشكاله وصوره المادية وغير المادية، واحترام أصوله العظيمة، وتعميق مفهوم الهوية الوطنية والفخر والاعتزاز به بما يضمن للأجيال المتعاقبة حماية راسخة من التأثيرات الدخيلة التي قد تؤثر سلبا على خصوصية التراث العماني ومفرداته المتميزة.

ماجد بن نصيب الرواحي
مشرف أول فنون تشكيلية بوزارة التربية والتعليم