يتوق الطفل إلى التمتّع بالحريّة كأيّ مخلوقٍ آخر، وحينما يستطيع المجتمع فهم عالمه والوقوف على رغباته وتطلّعاته، يكون بذلك قد أعدّه للإفادة من حريته بشكل صحيح، وبالتالي فإن من الضرورة بمكان أن تبرز في أدب الأطفال رموز الأمّة من شخصيات وأبطال ومواقف وأحداث لتعميق الروابط بين الأجيال، وكذلك إثراء المخزون اللغويّ والثقافيّ، والإحساس بالقيم الجماليّة والذوق السليم، وتوسيع المعارف الإنسانيّة والتجارب الحياتية التي تتعلق بواقع المجتمع الذي يعيش فيه.1
وأدب الطفل بصفته لوناً من ألوان الأدب، قد ظهر كوسيلة إنسانية حضاريّة لإعداد الأطفال بصورة لا تقبل الانحراف عن السمت الصحيح، وفنون هذا الأدب غنيّة بوسائل التأثير ولفت الانتباه، وقادرة على أن تلبّي للطفل رغباته، كما يمكن لهذا الأدب أن يتوافق مع استعدادات الطفل وميوله نحو المعرفة.2
في أدب الطفل سأقف على التّجربة الشّعرية كوني أودّ تتبع بعض الثّيم في شعر الأطفال، ومن خلال عودتنا إلى أنواع الشّعر في الحضارات القديمة فسنجد أنّه أنواعٌ أربعة، هي: الشّعر التمثيليّ، والملحميّ، والغنائيّ، والتعليميّ. والشّعر العربيّ ركّز في فترات متقدّمةعلى النوع الغنائيّ الذي يُعتبر أقدم في الولادة من غيره.
لقد أبدع العرب شعراً جعلوه نافذةً لهم يطلّون منها على عالم الطفل الذي حمّلوه أشواقهم إلى المستقبل الذي تسوده العدالة والسلام، ويستشرف الرؤى المستقبليّة التي تعدُّ للأطفال عالماً يحققون من خلاله طموحاتهم وآمالهم المكتوبة، فهم يمثّلون بهجة الحياة وزينتها.3
ومن خلال هذا الاهتمام بالطفل كان للأطفال نصيبٌ وافر في الشّعر العربيّ، وجاء هذا الشعر من بحر الرجز ومن المقاطع الصغيرة لتفي بقدرة الأطفال وحاجاتهم الوجدانيّة والعقليّة.4
إنّ بدايات ظهور أناشيد الأطفال تعود للمقطوعات الشعريّة القصيرة التي كان يتغنّى بها الشّاعر الجاهليّ، ثم طوّرها الشاعر العباسيّ لتشمل الأراجيز، حيث اعتمد على المقطوعات القصيرة، والأوزان والبحور التّامة والمجزوءة والمشطورة والمنهوكة، وهذا ما سهّل الطّريق إلى أناشيد الأطفال، فهي تعتمد بشكل أساسيّ على موسيقى الوزن الشعريّ والعروضيّ والنبض الإيقاعيّ للكلمات، وانسجامها وتوافقها، فالأوزان القصيرة توفّر للطفل هذه الرّغبة، حيث تتلاءم مع الطبقة الصوتيّة لديه، وإمكانية الأداء الفنيّ من حيث سهولة الحفظ والاسترجاع والانسجام النفسيّ وعدم التشتّت الذهنيّ.5
إن أغاني الأطفال وأناشيدهم تخطّ الأساس الأوّل لتربيّة الإنسان، وطبعه على تذوّق الجمال اللحنيّ والتأثر بمعاني الأغنيات التي تتغلغل إلى حسّه وإدراكه، وترسم له المُثل والمبادئ التي يجب أن ينشأ عليها الإنسان منذ بداية طفولته. وما زال الأطفال يحبّون النّشيد ويحبّون الأغنية، فينشدون في المدرسة، وفي الصفّ، وفي السّاحات العامّة، ويغنّون أغاني الفرح والمناسبات والأعياد في ملاعبهم، وحقولهم، وحدائقهم. 6
وقد جاء في معجم المصطلحات العربيّة في اللغة والأدب أن نشيد الأطفال، أو أغنية الأطفال هي أغنية بسيطة ذات ألفاظ سهلة قد تكون ذات مغزى ينشدها الأطفال بلحنٍ ساذج، أو تُنشدُ لهم بُغية التسليّة، أو المساعدة على النوم.7
إن الأطفال يميلون بطبيعتهم إلى الموسيقى، ويطربون للأغاني ويتمايلون مع إيقاعاتها. وتعتبر الموسيقى أقوى العناصر تأثيراً على في النفس، حيث تُدرَك بالإحساس، وتساعد على مخاطبة العواطف وملامستها، وأغاني الأطفال لها إيقاعاتها التي تستمدّها من الأوزان والقوافي والكلمات.8
والطفل من خلال ترديده وتكراره لنشاط يحبّه كالغناء، يستحضر المفاهيم التي تعلّمها، حيث يعمد إلى ترديدها دائماً؛ فالغناء يزوّده بقناعة شخصيّة بكل كلمة ويجعله يحفظها ويردّدها.9 ونجده يميل إلى الموضوعات التي تتّصل بحياته اليوميّة وبواقعه الطفوليّ.10 من هنا جاء اختياري لتتبّع بعض موضوعات أناشيد الأطفال، مثل الوطن، والأسرة، والأم، والألعاب، وغيرها مما سأعرّج على تناوله تباعاً في مقالات قادمة.

---------
المراجع:
1 نجار، نزار (1994)، في أدب الأطفال. منشورات اتحاد الكتّاب العرب، دمشق. ص 10
2 أبو الرضا، سعد (1993)، النص الأدبي للأطفال. دار البشير، عمّان. ص 23
3 أبو السعد، عبد الرؤوف. الطفل وعالمه الأدبي. ص 141
4 عبد الفتاح، إسماعيل (1999). أدب الأطفال في العالم المعاصر. الدار العربية للكتاب، القاهرة. ص 52
5 السابق، ص 257
6 أبو معال، عبدالفتّاح (1986)، دراسات في أناشيد الأطفال وأغانيهم. دار البشير، عمّان. ص47 - 48
7 وهبة، مجدي وكامل المهندس. معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب. ص 411- 412.
8 حلاوة، محمد السيد. مدخل إلى أدب الطفل. ص 23
9 فرج، أميرة (1983). دليل المعلم في التربية الموسيقيّة، القاهرة. ص 58
10 عيسى، محمد رفقي (1978). سيكولوجية اللغة والتنمية اللغوية لطفل الرياض. دار القلم للنشر، الكويت. ص 162.

وفاء الشامسية