يسمّيهم الناس الشماشقة الغاوين، وهم من قبائل الجن العربية، المقيمة بخور روري، المتفرع من بحر العرب، والملاصق لجبال ظفار، وهو أحد أهم الأخوار في البلد، تحيط بالوادي أشجار القرم. يقيم بعض أفراد هذه القبيلة في الجزر الإفريقية والهندية المطلة على المحيط. ويعلم الجميع أن زعيمتهم امرأة من نساء الجنّ، تبلغ بضع سنوات فوق المئتين، تسمى ميمونة الطراق. وميمونة هذه ليست كبيرة جداً، لها وجه عريض متدلّ، يمتدّ من جبهتها جناحان صغيران تشم من خلالهما رائحة الإنسان على بعد خمسة كيلومترات. لها عين واحدة مكحلة بالبرتقالي والأخضر، وأذن تُطوّح منفصلة عن رأسها، أمّا شعرها فأصفر اللون من الأعلى، ولها ضفيرة عريضة ممزوجة باللونين الأبيض والأسود. أحوالهم ليست سرا، فالكلّ هنا حيث أقيم، في القرب، على دراية واسعة بما يحصل، فحيث يقيمون كان الوادي يمر بحالة من القحط والجوع بسبب الخلافات التي حدثت بين ميمونة الطرّاق وبين جماعة الميامين الذين يجلبون الغذاء لأفراد القبيلة، بالإضافة إلى تمرد بعض أفرادها وانشقاقهم وهروبهم إلى بهلاء.
روى لي بعض الأقرباء أنّه في كل عام يجتمع زعماء الجن في كهف مجلس الجن في قريات، يتدارسون أحوالهم وأوضاعهم. أحد الشيوخ من مدينة قريات القديمة، العم بخيت، خبرني بعديد الأمور عنهم. قال إنه رآها رؤية العين. وصدقته، كيف لا أصدقه وهو الرجل الثقة العدل الذي لم يعرف عنه الكذب. ومما قاله لي أن من أولويات لقاء زعمائهم تدارس وضع أتباع ميمونة الطراق. وروت لي العجوز شيخة زوجته أشياء كثيرة، لعلّ أهمّها أنه بعد هذا الاجتماع قرر الزعماء طرد ميمونة وأتباعها من الوادي، وترحيلهم إلى وادي السند في القارة الهندية. ومما روته لي الخالة فضة أخت العم بخيت أنّ الجماعة حددوا إشارة تحدد موعد الرحيل من الوادي، وهي تآكل أطراف الشجرة التي يسكنون تحتها. وأضاف العم بخيت: لقد رأيت الإشارة بأم عيني يا ولدي، ورأتها بعدي ميمونة، فأمرت ابنها محاد أن يبلغ الجميع بالرحيل فوراً.
الباقي شاهدته بنفسي ولم يروه لي أحد. لقد رأيت ميمونة بأم عيني تتحوّل غيمة، وتصعد إلى الأعلى، ورأيت أتباعها ينظرون إليها وهي ترتفع إلى فوق، فوق جماعتها، وأخذت تقودهم بعدما اصطفوّا، وبدؤوا يسيرون على سطح البحر، نساء وأطفالا، وشيوخا. رأيتهم يرتفعون مع الأمواج، ويهبطون معها، دون ملامسة سطح الماء.
كان المرور عبر المحيط يتطلب من ميمونة تقديم قربان لجن قاع المحيط، وأثناء سيرهم كانت ميمونة تعمل على إغراق بعض أتباعها ممن حاولوا التمرد والهرب، كان من اشتراطات سادة الجن على ميمونة قتل أحد أبنائها من أجل أن تستمر في الزعامة، فقدمت ميمونة ابنتها سليمة وطفلها الرضيع إياد، وحين وصلوا إلى وادي السند، استقبلهم زعيم جن السند، ووزّع بعضهم كخدم على زعماء الجان الهنود. أما ميمونة وقلة من أتباعها فمازالوا ينتظرون مكانهم الذي سيحلون فيه، تساءل البعض بخوف: "من منّا سيبقى حيا؟، ويرافق أمّنا إلى الوطن الجديد؟". فرد عليه البعض الآخر بقولهم: "سينجو فقط من سقطت عليه شعرة من رأس أمي، أو دمعة من كحل عينها، أو تلوّن جسده بشيء منها".

محمد جداد