[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
في الوقت الذي تتحول فيه قضية المهجَّرين العرب قسرًا من أوطانهم عبئًا سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا وقبل ذلك عبئًا أخلاقيًّا على القارة العجوز، إلا أنها لم تشذ عن باقي القضايا التي يكمن في تفاصيلها الشيطان الأميركي، على نحوٍ تظهر فيه أوروبا أنها "بيبي أميركا" ومجرد تابع ومنفذ لرغبات وأهواء سيدها الأميركي الذي وصفها وزير الدفاع الأسبق دونالد رامسفيلد بـ"القديمة".
وعلى الرغم من الاتفاق الصعب الذي تمخض عن الجولة الماراثونية بين أعضاء الاتحاد الأوروبي بشأن قضية الهجرة، فإن القضية ذاتها تسلط الضوء على الخطأ السياسي والتاريخي الذي ارتكبته أوروبا بالسير في ركاب الولايات المتحدة وحليفها كيان الاحتلال الإسرائيلي، ومشاركتهما مؤامراتهما ومخططاتهما ومشاريعهما الاستعمارية والتدميرية في المنطقة على أمل أن يعطيها الصهيو ـ أميركي موطئ قدم أو يرمي لها بفتات ما كانت تملكه أثناء استعمارها القديم للمنطقة، حيث على القارة العجوز أن تتحمل كل التكاليف والتبعات الإنسانية والكارثية. فقد لاحظ الجميع دور أوروبا في ما سمي كذبًا وزورًا "الربيع العربي" حيث رمت فيه بكامل أثقالها وأحمالها وأوزارها، فشاركت الصهيو ـ أميركي في ارتكاب الكوارث الإنسانية، وتدمير الدول العربية، واختارت خانعة تارة، ومرتضية تارة أخرى، دعم التنظيمات الإرهابية بشعاره العريض الفضفاض الخادع (تحقيق الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان والدولة المدنية والعدالة والمساواة)، وظنت بذلك أنها ستحقق هدفين؛ الأول: إحياء تاريخها الاستعماري، وبالتالي تقاسم الكعكة مناصفة مع الصهيو ـ أميركي. والثاني: تأمين بقاء كيان الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة ليكون رأس الحربة في الدفاع عن مكاسبها الاستعمارية من جهة، ومن جهة أخرى تجنب تنامي التيار المقاوم في المنطقة، والقضاء عليه قضاء مبرمًا حتى لا يتمكن من هز أركان "بيت العنكبوت" كما سمَّاه حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله، فيترتب عليه عودة المعاناة الأولى لأوروبا أثناء الوجود الصهيوني واليهودي الذي أفسد المجتمعات الأوروبية، وضاق به الأوروبيون ذرعًا.
المؤسف أن القارة العجوز لا تريد أن تتعلم من دروس التاريخ وعبره، وأخذت تعيد إنتاج المعاناة عبر الهجرة التي تسببت فيهاـ ولا تزال ـ المواقف والسياسات الأوروبية، فلم يعد خافيًا على أحد الأهداف التي دفعت إلى الممارسات غير الأخلاقية وغير الإنسانية ضد شعوب الدول العربية المستهدفة بإرهاب "الربيع العربي" والمغطَّى بالعنوان الخادع والكاذب "ثورات الربيع العربي"، لإجبارها على الهجرة وترك مدنها وقراها. ولطالما مثَّل العامل الديمغرافي هاجسًا إسرائيليًّا صرفًا وذلك بالتفوق السكاني في الدول العربية التي تناصب الاحتلال الإسرائيلي العداء وتدافع عن الشعب الفلسطيني وتدعم مقاومته، كما هو حال العراق وسوريا، التي شهدت موجات هجرة ضخمة باتجاه أوروبا، وقد تبينت الأهداف بصورة لافتة في الأحداث بسوريا، حيث دواعي التهجير تهدف إلى إفراغ سوريا من ثقلها السكاني الذي يمتاز بتماسك نسيجه الاجتماعي، وبيد العمل الماهرة في مختلف قطاعاته، والعقيدة القومية والعروبية الجامعة للشعب السوري ولقيادته، ليس تجاه فلسطين وحدها، وإنما تجاه كل ما هو عربي وإسلامي، فَصَحَّ على سوريا وصف "قلب العروبة النابض"، وبالتالي لا بد أن تُقْتَلَ هذه العقيدة الجامعة، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتهجير والتغيير الديمغرافي والقتل والإرهاب، ومحاولة تغيير المفاهيم والقيم والمبادئ، وزرع مكانها الأفكار الشاذة كالتكفير والقتل والإرهاب والتطرف، والشعور بعدم المساواة والعدالة، بالإضافة إلى إشباع حاجة السوق الأوروبي بالأيدي العاملة العربية والسورية الماهرة والرخيصة، ولحسابات تآمرية أخرى بالاستفادة من هؤلاء المهجَّرين في أي حل سياسي قادم في سوريا كخفض نسبة المؤيدين للرئيس بشار الأسد، بما يؤثر في أي عملية انتخابية قادمة، وكذلك لحرمان الجيش العربي السوري من تجنيد الشباب السوري للدفاع عن حياض وطنه. لذلك ما يجري من محاولات لمنع عودة المهجَّرين السوريين من أماكن اللجوء والشتات في الدول العربية وتركيا وأوروبا إلى وطنهم سوريا، لا يخرج عن الحسابات السياسية والأمنية وعن الأهداف التي ذكرناها آنفًا، ولا يخرج عن جوهر المؤامرة التي تستهدف سوريا وشعبها وجيشها وقيادتها وعن سياسة الابتزاز ضد سوريا. كما لا تخفى هذه القضية والمأساة الإنسانية عن المتاجرة بها من قبل دول عربية وإقليمية تقيم مراكز إيواء ولجوء للمهجرين السوريين، سواء كانت بغرض ابتزاز أوروبا لجلب الأموال، أو ترحيل العاطلين من أبناء الدولة المستضيفة إلى أوروبا لتوفير فرص عمل لهم هناك، على أنهم لاجئون سوريون، والاستفادة في مقابل ذلك من الأيدي السورية الماهرة، ومنحهم الجنسيات، وأيضًا هنا لحسابات سياسية وانتخابية، حيث يكون الصوت الانتخابي من أصل سوري مضمونًا وقد ظهر ذلك مؤخرًا، أو تجنيدهم للزج بهم في التنظيمات الإرهابية التابعة للدول المستضيفة للاجئين السوريين والتي تعيث فسادًا في الأرض السورية.
خلاصة القول، إذا كانت قضية المهجرين السوريين من وطنهم قسرًا إحدى الصور التي أرادها معشر المتآمرين على سوريا في سياق تحقيق أجنداتهم ومشاريعهم الاستعمارية والتقسيمية والتدميرية، فإنها على الجانب الآخر تعطي الصورة الحضارية والإنسانية للجيش العربي السوري وللقيادة السورية، وتفند حملات التضليل والأكاذيب والافتراءات التي أراد من خلالها معشر المتآمرين إلصاق تهم القتل والتهجير والتدمير بالجيش العربي السوري والقيادة السورية، ولعل الجهود القائمة والمبذولة من قبل الحكومة السورية وبالتعاون مع الأصدقاء والحلفاء لإعادة هؤلاء المهجرين إلى مناطقهم، كفيلة بتفنيد المغالطات والافتراءات، وبتأكيد العمل على قطع الطريق على الرهانات التدميرية، وصون كرامة الأسرة السورية وعرضها وأخلاقها، ودمائها.

[email protected]