[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/kazemalmosawy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]كاظم الموسوي[/author]
” بابلو بيكاسو بكل ما عمل ورسم ونحت وكتب وقال، في وقته وظرفه، علامة عبقرية سامقة عالميا وشامخة إنسانيا، يفتخر به رساما مبدعا وشاهد عصر، ترك بصمته وعلامته عليه. مَن لا يعرف بيكاسو؟، رساما ونحاتا وشاعرا ومسرحيا وتشكيليا بامتياز وأحد أشهر الفنانين في القرن العشرين، ولا يتذكر إبداعه، رمز السلام، وصوت الغضب والمقاومة للحروب والاقتتال وصرخة الاحتجاج ضد الفاشية وانتهاكات حقوق الإنسان والشعوب.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليس الصدفة وحدها كانت المحفز، لقد كانت زيارة المتحف أو أي شيء يعود إلى الفنان العالمي بابلو بيكاسو (بالإسبانية: Pablo Ruiz Picasso، ولِد في25 تشرين أول/ أكتوبر 1881، ملقة، إسبانيا - وتوفي في 8 نيسان/ أبريل1973، في مدينة موجان، فرنسا) ، ضمن برنامج الزيارة لمدينة ملقا الإسبانية. وكنت قد شاهدت برنامجا حواريا في فضائية عالمية مع الممثل الذي مثل دور بيكاسو في الفيلم السينمائي الذي عرض عن حياته، أنه ناقش ما يقال عنه إنه كانت له أصول عربية، وكان يفتخر بذلك، ولكنه أيضا له جذور منوعة، مقابلة لأصله، فإحدى جداته لأمه كانت إيطالية، وولد وعاش في إسبانيا ومن ثم انتقل إلى فرنسا، ليبرز فنه ومجده.. وهكذا تتجدد المعاني وتتنوع الدلالات.
تم الحجز في فندق دون معرفة بموقعه الجغرافي وتبين أنه ضمن مربع المتحف المعروف باسم الفنان. فكانت أولى الخطط الذهاب إلى المتحف وطلب السماح من ابن المدينة للدخول إليها، وكانت كذلك، حيث عشرات الأمتار مشيا أوصلتنا إلى بوابة تاريخية جميلة لبناية متواضعة، من طابقين، وعليها لوحة: متحف بيكاسو. هكذا تبدو من الخارج، ولكن الداخل إليها سيعرف أو يبهر بما تحتوي وما فيها من انعكاسات فنية ومعمارية وهندسية. الحارة التي تضم البناية شعبية تاريخية وشوارعها ضيقة مسيجة بدكاكين بيع المواد السياحية والتذكارية صغيرة ومتناثرة حولها، مثلها المقاهي والمطاعم والبارات والمشارب المحيطة بالمكان. وبالقرب منها ما اسمه القصبة، هكذا، والآثار التاريخية العريقة، رومانية وفينيقية، قبل الإسلامية والعربية، وكذلك تقترب منها كاتدرائية تاريخية أيضا، وبناية بلدية المدينة ومركز الجامعة وبالتأكيد ثمة كليات وأقسام أخرى لها. وهي كلها قريبة من ساحل البحر والحدائق المزينة للشوارع المعبدة بالحجر والممتدة على امتداد البحر.
في المعلومات التاريخية، كان قصرا في السابق ثم تحول لمتحف من قبل المهندس الأميركي المعماري ريتشارد غيليك مان متعاونا مع إيزابيل كامارا ورافائيل مارتن ديلغاو وقد كلف هذا التحويل 20 مليون دولار أميركي وذلك لأنهم لم يكتفوا فقط بجعل القصر متحفا بل قاموا بتوسيعه وأخذ الكثير من المباني التاريخية المجاورة له وضمها إليه. وافتتح آواخر عام 2002 ويزوره ما يقارب 2000 زائر في اليوم، حسب إحصاءات السياحة في المدينة، ومن بينهم طلاب المدارس الذين يتميزون بطوابيرهم ونظام حركتهم خارج وداخل المتحف.
حين تدخل المتحف بعد وقوف في الطابور الطويل المنتظر، تشتري أو تمنح بطاقة دخول وتتجول في عالم كبير وبديع مهما رسمت له صورة من قبل. فالمتحف يعرض حياة الفنان بيكاسو في سنواته الأولى، عبر أفلام و285 عملا فنيا وقد تبرع بها أفراد من عائلة بيكاسو وموزعة في أكثر من 12 قاعة من قاعات المتحف. إضافة إلى الآثار الرومانية في الطابق الموجود تحت الطابق الأرضي وهذه الآثار تم اكتشافها أثناء ترميم المبنى. متحف بيكاسو جامع في مبناه التراث والحداثة، حلم بيكاسو الإبداعي المتجدد، في مدينته التي ولد فيها وخطا خطواته الأولى. وكما نقل عن خافيير فيلاتو، ابن شقيقة بيكاسو، أن بيكاسو حلم حتى اللحظة الأخيرة من حياته بأن يكون في مدينته مع أعماله وأنه كان يجلس دائما في منزله في "فايا وريس" قبالة مدينة ملقا وبذلك يحقق مشروع المتحف هذا حلما عبقريا كان له رأس عالمي وقلب محلي.
يكمل متحف ملقا المتاحف العديدة، التي بنيت أو افتتحت له ومنها في مدينة برشلونة الإسبانيّة، وآخر في باريس التي عاش فيها الفنان عقودا وشهد مجده الفني، ورمزه الإنساني، واحتوى كلّ منها على بضعة آلاف من لوحاته (3500 ـ 5000 لوحة).
في الطابق الأول، على يسار المدخل، مكان يعلق أجهزة سوداء صغيرة محمولة ومجهزة بمختلف اللغات المعروفة، تشرح لكل من يختارها معلومات لإطلاعه وتعريفه بمحتويات المتحف، إضافة إلى الكراريس والبوسترات الصغيرة، ومكتبتين في الطابقين، الأول والأعلى، تضم كتبا وصورا وموادا سياحية تحمل أثرا من إبداعات بيكاسو، لا تتركك تخرج دون اقتناء وشراء نماذج منها.
لوحات ومنحوتات بيكاسو الموزعة على القاعات تمثل مراحل الفنان الأولى وبعض تنقلاته بين المذاهب الفنية وإبداعاته فيها، بين الواقعية والتعبيرية الكلاسيكية والتكعيبية والفترات التي عبر فيها عما يميزها عن غيرها، كما تعرض بعض القاعات أفلاما عن حياته ومعارضه ومراسمه، وأحاديث مختصين وأصدقاء له. اي أن الزائر لا يخرج من المتحف إلا مشبعا بروح بيكاسو وتحولاته وإبداعه الخالد. وكنت أدور وأبحث عن لوحته الشهيرة، الغرنيكا، لأشاهدها مباشرة، والتي رسمها عن الحرب الأهلية الإسبانية في الثلاثينيات من القرن الماضي، واشتهرت كصرخة غضب واحتجاج على الحرب وكوارثها. ولكن للأسف لم اجدها في قاعات المتحف، وكذلك خاب أملي في الحصول على صورة لها من المكتبتين في المبنى، حيث نفدت منهما ذلك اليوم.
زيارة المتحف زادت روعتها ما احتوى من عبقرية فنان خلدته أعماله، وانتصاره لقضايا الإنسانية وانحيازه الفكري والسياسي لها، ورفع اسم بلده إسبانيا في عالم الفن مثلما خط سرفانتس ولوركا اسمها أدبيا، وكذلك عباقرتها الآخرون في المجالات الأخرى، رغم ما تعيشه اسبانيا اليوم من صعوبات وتعقيدات. ظلت رسوم بيكاسو في بداياته الأولى تحفر الذاكرة وتسجل نفسها عن نساء إسبانيا وزيتونها وحمامها وطبيعتها ورموزها التي مجدها وطبعها في لوحاته أو منحوتاته. أو تجاربه الإبداعية في المدارس الفنية أو المراحل التي مر بها، لتجمع في النهاية صورة رائعة لفنان عبقري وفن وثقافة مناضل حقيقي يحتفى به، في المتحف وخارجه، في الفن وآفاقه، في المنجز والذكرى.
بابلو بيكاسو بكل ما عمل ورسم ونحت وكتب وقال، في وقته وظرفه، علامة عبقرية سامقة عالميا وشامخة إنسانيا، يفتخر به رساما مبدعا وشاهد عصر، ترك بصمته وعلامته عليه. مَن لا يعرف بيكاسو؟، رساما ونحاتا وشاعرا ومسرحيا وتشكيليا بامتياز وأحد أشهر الفنانين في القرن العشرين، ولا يتذكر إبداعه، رمز السلام، وصوت الغضب والمقاومة للحروب والاقتتال وصرخة الاحتجاج ضد الفاشية وانتهاكات حقوق الإنسان والشعوب. فنان خلدته أعماله ومواقفه، وسيظل لأجيال عديده اسما بارزا وعلما يستشهد به في الفن والموقف الإنساني. كما قال هو: "قالت لي أمي… إذا عملت جنديا فستصبح جنرالا، وإذا كنت راهبا فستصبح البابا، ولكني أصبحت بيكاسو"!.