لا يمكن معرفة حجم التأثير والدور لمسيرات العودة الكبرى السلمية التي أطلقها الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة لتعريف العالم، الذي يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، بحجم الكارثة الإنسانية الناتجة عن الانتهاكات وجرائم الحرب الإسرائيلية، إلا من خلال الجانب الإسرائيلي ذاته ومن خلال ردات فعله العسكرية والسياسية.
فحين يصف الإعلام الإسرائيلي بـ"اللون الأحمر القاتم" وضع المنطقة الحدودية الجنوبية مع قطاع غزة، في الوقت الذي يعلن فيه أفيجدور ليبرمان، وزيرالحرب الإسرائيلي، أن كيانه المحتل لن ينجر لاحتلال قطاع غزة، فإن هذا يعني أن المسيرات الفلسطينية رغم طابعها السلمي والمواجهة بأعتى قوة عسكرية استمرأت قتل المدنيين العزل من الأطفال والنساء وكبار السن، استطاعت (المسيرات) أن تلحق الوجع المطلوب بكيان الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يزال يضرب بعرض الحائط كل المواثيق والأعراف والمعاهدات الدولية، ويواصل ارتكاب جرائم الحرب والانتهاكات الإنسانية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وكذلك إلحاق الوجع بكل حليف وموالٍ وتابع لهذا الكيان الاحتلالي الغاصب، وفي الوقت ذاته استطاعت هذه المسيرات أن تسلط الأضواء على جريمة الحصار الظالم، وعلى استمرار المحتل الإسرائيلي في انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني.
كما يتبدى الوجع الذي تلحقه مسيرات العودة الفلسطينية السلمية من خلال استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي القوة المفرطة بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين، وشن غارات عدوانية على قطاع غزة، متسببًا في سقوط مئات الضحايا وعشرات الشهداء، ففي الجمعة الماضية وهي الجمعة الرابعة عشرة كان لافتًا استخدام القوة الغاشمة والمفرطة ضد المدنيين والذي سقط بسببه شهيدان أحدهما طفل.
إن من الواضح أن حديث وزير الحرب الإسرائيلي عن احتلال قطاع غزة هو من قبيل التمني، ولا يخفي ما يخالج كيان الاحتلال الإسرائيلي من حقد وكراهية تجاه قطاع غزة، والرغبة العارمة في تصفية القطاع وكل من فيه، إلا أنها تظل رغبة يدرك المحتل الإسرائيلي فاتورة تحقيقها التي عليه أن يتحملها إن ارتكب حماقة الاجتياح العسكري لقطاع غزة.
وعلى الرغم من خطة فك الارتباط أحادية الجانب التي أعلنها كيان الاحتلال الإسرائيلي وانسحب بموجبها جيشه في الخامس عشر من أغسطس عام 2005، إلا أن قطاع غزة لا يزال تحت الحصار الإسرائيلي، وحسب القانون الدولي فإن القطاع يعد محتلًّا لكونه جزءًا من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، وبالتالي لا يمكن فصل جزء عن جزء، إلا إذا كان كيان الاحتلال الإسرائيلي يرمي إلى ما هو أبعد من ذلك؛ والذي بدأ يبرز بصورة جلية مع الحديث والتسريبات بشأن ما يسمى بـ"صفقة القرن"، حيث يراد لقطاع غزة مع أجزاء من مصر والأردن وطنًا بديلًا للشعب الفلسطيني، لذلك فقطاع غزة هو حسب التوصيف القانوني هو قطاع محتل إسرائيليًّا وواقع تحت سيطرة المحتل الإسرائيلي، والحديث الإسرائيلي عن احتلاله مجددا لا يخرج عن الرغبة في تصفية القطاع وإبادته، لما يشكله القطاع من تحدٍّ ومقاومة للاحتلال الإسرائيلي.