يقول وليم وردزورث: إنّ كلّ شاعر عظيم هو معلّم، وأحبّ أن يعدّني الناس معلّماً أو لا شيء. وقال أيضاً: على الشّاعر أن يختار حوادث ومواقف من مألوف الحياة، ويقدّمها جهد الإمكان في لغة منتقاة مما يستعمله النّاس فعلاً.1 وقال فيكتور هوجو: إن رسالة الشّعر ليست النظم للغناء فحسب، بل على الشّاعر أن يحثّ على العدالة، وينافح عن الحق ...، إن مهمّة الشاعر إثارة الحماسة في نفوس الجماهير...2
وبتناول الوطن والمواطنة في شعر الأطفال فلا بدّ من الوقوف أولاً على تعريف الوطن، وقد جاء في لسان العرب لابن منظور (ج13، ص 451) تعريفه بأنّه المنزل الذي تقيم به، وهو موطن الإنسان ومحله، والجمع أوطان ... ووطّن بالبلاد وأوطن أي أقام، وأوطنه اتّخذه وطناً..
ومن خلال تتبّعنا للتعريفات المعجميّة يتّضح لنا أن لفظة (وطن) ومرادفاتها في لغة العرب وفي استعمالاتهم لها بعدان، هما الذاتيّ والاجتماعيّ، وهما بُعدان عميقان كون الوطن المستقرّ الذي يشدّ إليه النفس ويكون سبباً في الأنس والألفة والارتياح والرّضا والحنين، فالعربيّ يعتبر الوطن بمثابة البيت الذي يأوي إليه ليعيش في سلام واطمئنان بين أهله وذويه، فإذا حلّ به مكروه وجد من يمدّ يد المساعدة له، وقد ظهر بسبب هذه العاطفة غرض شعري من أغراض الشّعر الغنائي وهو شعر الوطنيّات، ومحوره الذات ويدور حول القضايا التي تهمّ الوطن والمواطن ... والعربيّ القديم ما كان ليعرف الوطن المتعارف عليه اليوم حيث الانتماء إلى الأرض بحدودها السياسيّة، وإلى الأمة والمجتمع بالمفهوم السياسيّ والقوميّ، بل كانت الأرض كلّها مشاعاً له، وموطناً يقيم فيه حيناً ثم يرحل عنه إلى موطنٍ آخر، وكل مكان يعيش فيه فهو وطن له، وليس بالضرورة أن يكون الوطن هو مكان الولادة والنشأة ومحل الأهل والأقارب، بل هو المستقر والمقام الذي تأنس فيه القلوب.3
إنّ تناول موضوع الوطن والمواطنة في شعر الأطفال مهمٌّ جداً، كونه مرتبط بالهوية وتكوين ملامح الانتماء والولاء لدى الطفل منذ نعومة أظفاره.
وتناولي لهذا الموضوع كون المواطنة الحقّة تعطي النشء المعرفة والمهارة، وفهم الأدوار الاجتماعيّة والسياسيّة الرئيسة والفرعيّة في المجتمع على المستويات المحلية والوطنية والقومية والإنسانية، كما تؤهلهم للمسؤولية الوطنيّة وتعرّفهم بحقوقهم وواجباتهم الأخلاقيّة والسّلوكيّة، وتجعل منهم مواطنين أكثر اعتماداً على النفس، ومشاركة في بناء المجتمع، وقد رأى جون ديوي أنّ المواطنة لا تعني أكثر أو أقلّ من المشاركة في التجربة الحياتيّة أخذاً وعطاءً، فالمواطنة ليست أقلّ من جعل العقل اجتماعياً، بحيث يجعل خبراته للانتقال إلى الأفضل له وجماعته.4
والانتماء للوطن حاجة نفسيّة واجتماعيّة عامّة لدى الإنسان، تمثّل المستوى الأعمق للولاء من الناحيّة السيكولوجيّة، والولاء في مفهومه الواسع يتضمّن الانتماء فلن يحبّ الفرد الوطن ويعمل على نصرته والتّضحية من أجله إلا إذا كان هناك ما يربطه به، أمّا الانتماء فلا يتضمّن الولاء؛ فقد ينتمي الفرد إلى وطنٍ معيّن ولكن يحجم عن العطاء والتضحية من أجله.5
إن موضوع الوطن في أناشيد الأطفال يثير حماسهم ويبعث في نفوسهم روح التفاعل والدّفاع عنه، ويعمّق الشّعور بالانتماء إليه، ويحثّهم كذلك على توثيق أواصر الارتباط بالأرض وإعمارها وحمايتها من الغرباء، ويسعى أيضاً إلى استنهاض الهمم بالتركيز على أمجاد الوطن وفضائله، والالتفات إلى تاريخه وبطولات أبنائه وتضحياتهم في سبيل عزّته ورفعته، والارتقاء به إلى منابر التقدّم والحضارة والحريّة.6
وما يهمّني من خلال العرض السّابق التمهيد لتسليط الضوء على الطريقة التي تناول بها الشّعراء ثيمتي الوطن والمواطنة في شعرهم الموجّه للأطفال، وسنجد بطبيعة الحال اختلافاً في طرح وتناول هذا الموضوع، ولكننا سنقف على المعطيات العامّة التي تميّز النماذج الواردة في المقالة. وسنسلّط الضوء قبلاً على أناشيد الطفولة في الوطن العربيّ ثم سننتقل إلى أناشيدٍ من السّاحة الشعريّة العمانيّة.
يقول الشاعر سعيد جودة السّحار في أنشودته (الجنود)7:

اجر يا سمير
يا أخي الصغير
ننظر الجنود
حينما تسير
نـنظر الجنود
تركب الخيول
تحمل البنــــود
تضرب الطبول
***
هذه الجنود
عدّة البلاد
أيها الأسود
ساعة الجهاد
تم تتم تتم
تم تتم تتم
فالشّاعر هنا بدأ بدعوته لأخيه سمير (اجرِ) والجري من الأنشطة المحببة للأطفال، خصوصاً في أثناء تشاركهم الاطلاع على أمرٍ مهيب مثل سير فرق الجنود، وقد عبّر الشاعر في أنشودته عن ملمح مهم من ملامح حب الوطن وهو الذود عنه من خلال استعماله لمنظر الجنود، مشيراً إلى ما يقومون به من تحرّك وهم يحملون الرايات ويقرعون الطبول، واصفاً إياهم بأنهم (عدّة البلاد)، و(أسود)، في (ساعة الجهاد). وهذه مفردات جديدة تعزز المعجم اللغوي لدى الطفل المستقْبِل للأنشودة، وجاءت التراكيب سهلة واضحة البناء في جمل قصيرة مستعملاً ضمير الجماعة للتأكيد على التآلف والترابط لتحقيق الهدف. وقد جاءت الجمل الفعلية في المقطع الأول مبدوءة بأفعال مضارعة وهي لإثبات الفعل واستمراريته.
وقد جاء التكرار في كلمة (الجنود) لبيان الترابط الوجداني بين الشاعر ومنظر الجنود الذي هبّوا لحماية الوطن، وأيضاً لإحداث موسيقى داخلية تؤدي إلى سيطرة الإيقاع على النشيد بشكل عام، مع ملاحظة أن الشاعر استخدم القافية المقيّدة التي أراها من وجهة نظري متناسبة مع المضمون وخصوصاً مع صوت الطبول الذي أدرجه الشاعر ضمن النشيد. يتبع.

هوامش :

1 عباس، إحسان (1959). فن الشّعر، بيروت، دار بيروت. ص 175
2 تييغيم، بول فان (1981). الرومانسية في الأدب الأوروبي، ج2، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، ص 127.
3 ابن الافيلي، إبراهيم بن محمد بن زكريا. (1998). شرح شعر المتنبّي (ج2)، دراسة وتحقيق: د.مصطفى عليان. مطبعة مؤسسة الرسالة، بيروت. ص 282
4 ناصر، إبراهيم عبدالله. (2002). المواطنة، مكتبة الرائد العلميّة، ط1، عمّان. ص 48
5 عبدالتوّاب، عبدالله عبدالتواب. (1993). دور كليات التربية في تأصيل الولاء الوطني، دراسات تربوية. القاهرة. ص 108-109
6 أبو معال، عبدالفتاح. دراسات في أناشيد الأطفال، ص 52.
7 الصفدي، بيان (2016)، ديوان الطفل العربي، ج3، دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة. ص 203

وفاء الشامسية