[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2017/03/rajb.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. رجب بن علي العويسي[/author]
تعيش سلطنتنا الحبيبة أمجاد الثالث والعشرين من يوليو، الذي سطعت فيه على عمان شمس النهضة وأنوارها الذهبية، فكانت نقطة تحول لعهد جديد حمل معه التقدم والازدهار والتنمية والاستقرار، ولعل القارئ لأفكار أبناء النهضة وما قبلها ممن عايشوا التحول ووقفوا على المشهد وشاركوا في رسم ملامحه وأسهموا في بناء مساراته، وبين جيل النهضة الجديد، يجد فيها من مساحات التباعد بعض الشيء في الأولويات والاهتمامات والقناعات، وهو أمر طبيعي في ظل ما يعيشه عالمنا المعاصر من تحولات متسارعة انعكست على بناء شخصية جيل الألفية وتشكيل هويتهم، في العديد من الجوانب ذات العلاقة بأولويات النهضة وقيمها ومبادئها ومرتكزات عملها وطريقة التعاطي مع مختلف الجوانب المرتبطة بحياة الإنسان، ومع أن بناء النهضة العمانية المباركة بقيادة مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ اتسمت بالاتساع والشمول ونظرتها المتكاملة المتوازنة إلى إنسان النهضة عبر موجهات رسمت ملامح التغيير لتستمر مع الإنسان دون تمييز بين مرحلة وأخرى لتشكل جميعها حلقات متناغمة متفاعلة لبناء الإنسان وتعزيز مسارات الإيجابية والتفاؤل لديه في مواجهة حالة اليأس التي كان يعيشها قبل النهضة.
وعليه فإن البحث في أولويات الجيل الجديد تستدعي جهدا أكبر يمارسه أبناء النهضة ويضعونه في سلم اهتماماتهم، وهو ما أكده جلالته ـ أعزه الله ـ في خطبه السامية بأهمية تكييف النهضة لمتطلبات الجيل القادم وفهم احتياجاته والوقوف على تطلعاته وتعزيز حضوره في عمليات البناء والتطوير عبر ترسيخ الوعي وتأصيل قيم النهضة وتعريفهم بتضحيات الأجيال ووضعهم في مسار الممارسة المهنية الواعية عبر مناهج التعليم وغيرها، نظرا لكون أبناء النهضة أكثر حساسية وارتباطا بكل خطوات البناء وآليات العمل ومعايشة حقيقية للواقع والأحداث التي عايشتها النهضة وأعادت تشكيلها في شخصية الإنسان العماني، والتي قد تكون غير ظاهرة كممارسة فعلية لدى أجيال اليوم إذ قام بها أبناء النهضة خير قيام وأدّوا الأمانة فيها بكل إخلاص فبقيت مجرد مشاهدات عبر القنوات الإعلامية والفضائيات، ورصدت بحق ما كانت عليه عمان في السنوات التي سبقت الثالث والعشرين من يوليو من عام 1970 والتي اختصرها النطق السامي لجلالة السلطان المعظم بقوله:" كانت عمان بالأمس ظلاما ولكن بعون الله غدا سيشرق فجر جديد على عمان وعلى أهلها"، وتبقى هذه التضحيات التي قدمها أبناء النهضة لنهضة بلادهم شاهدة على إخلاصهم لعمان وولائهم لجلالة السلطان المعظم، تستلهم منها الأجيال القادمة منطلقات البناء والتطوير والتجديد، وإن إخلاص جلالة السلطان المعظم ـ أعزه الله ـ ووفائه لعمان، شاهدة على ما حملته هذه النهضة من أهداف وما رسمته من غايات عليا وما حققته من آمال وأحلام العمانيين وهي بإذن الله تعالى قادرة بعزم أبنائها المخلصين وقيادة مولانا السلطان المعظم على تحقيق أحلامهم وآمالهم جميعا مهما اختلفت أذواقهم وتباينت غاياتهم.
لقد سارت النهضة العمانية بخطى ثابتة نحو تحقيق رؤية الدولة وهدفها الأساسي" سأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيشون سعداء لمستقبل أفضل "و ما اتخذته في سبيل تحقيق نهضة التنمية من تعزيز الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية ونشر التعليم والصحة وبسط شراع الأمن ومظلة النظام والاستقرار وتأكيد السيادة الوطنية على الأرض العمانية من جنوبها إلى شمالها، وتعزيز موقع عمان في المنطقة والعالم وفق سياسة حكيمة قائمة على مبادئ الحق والعدل والمساوة والشراكة، وهي محددات جاءت تأكيدا لبناء الدولة العمانية المعاصرة التي أسسها جلالته ومنحها وقته وصحته وشبابه وليله ونهاره ويومه وغده حتى وصلت لكل بقعة في عمان في السهول والجبال وبطون الأودية وفيافي الصحراء.
على أن تحقيق هذه المرتكزات تطلب الكثير من الجهد والتضحية والعطاء لعمان مما لم يدركه الجيل الجديد للنهضة ولم يعايش إرهاصاته، والتي تستدعي ترسيخ وعيه بمتطلبات النهضة والنجاحات التي حققتها والموجهات التي اعتمدتها في سبيل بناء الإنسان وتحديد موقعه في الخارطة الوطنية، والتحديات والمعوقات التي صادفت تنفيذ المشاريع وكيفية التغلب عليها، ودور أبناء عمان المخلصين في رسم خريطة التغيير وتنفيذ أجندة التنمية، خاصة إذا ما نظرنا لطبيعة التحول في سلوك أجيال الألفية والقناعات التي يحملونها حول عالمهم، ورغبتهم في تحقيق غاياتهم وأولوياتهم بأسرع ما يمكن وبدون النظر إلى الاحتمالات أو التحديات أو مراعاة الظروف المالية أو الأولويات، بما يضع أبناء النهضة أمام مسؤولية قراءة أبعادها وأيصال أحداثها ومواقفها للأجيال القادمة وما ارتبط بها والمواقف التي حصلت لها والتضحيات التي قدمها أبناء عمان بطريقة واضحة وعادلة وحكيمة، ليست في سرد الأحداث بطريقة كلامية أو لمجرد إبرازها في قنوات الاعلام وسرد تقاريرها في المناسبات الوطنية أو التعريف بها في اللقاءات؛ بل بأن يحمل أبناء النهضة ما تعلمّوه من هذه المواقف في سلوكهم الوطني واخلاصهم وتعايشهم مع طبيعة التحولات وطريقة محافظتهم عن المنجز، والقيم التي يحملونها حول التنمية والتطوير، والمساحة التي يتركونها لتعبير الأجيال واهتماماتهم، والفرصة التي يمنحونها لهم في توظيف فرص التنمية والاستفادة منها بشكل أكثر مهنية، بما ينعكس على تصرفاتهم وممارساتهم وحفظهم للحقوق والتزامهم بالواجبات وحرصهم على كفاءة الانجاز وتسهيل كل الظروف المحيطة برغبة الجيل الحالي في التجديد وممارسة حقوقه الوطنية، بعيدا عن كل المنغصات التي باتت تظهر الروائح المنافية لطباع العمانيين وأدبهم وأخلاقهم والمتجانفة مع حجم المسؤولية التي عليهم تحملها والاستمرار فيها، فإن ثبات أبناء النهضة على مبادئهم، وسلوكهم منهج القدوة في تصرفاتهم وممارساتهم، سوف ينعكس على طريقة تلقي الأجيال القادمة لها وقناعتهم بها.
وعليه فإن منطق التحدي القادم يكمن في كيفية الإبقاء على خيوط العمل ممتدة والتناغم مستمرا بين مختلف أجيال النهضة عبر الإيمان بمشترك الوطن وتقدير المنجز والمحافظة على حضوره المستمر في كل المكونات العامة في العمل الوطني، وهو ما يؤكد أهمية تعزيز مساحات الوعي لدى الأجيال بقيم النهضة ومبادئها وأولوياتها ويضع أبناء النهضة أنفسهم أمام حركة تجديد مستمرة في الفكر وإعادة إنتاج الممارسة بطريقة تقترب من ثقافة الأجيال ونمط العيش الذي يرغبونه مع المحافظة على قواعد العمل واضحة ومبادئ النهضة قوية بصورة تتمازج فيها الغايات بالأهداف والوسائل بأدوات الإنجاز الحاصلة على الأرض بما يضمن لها مزيدا من الثقة والتمكين للوصول إلى قناعات الأجيال القادمة، وبالتالي ترقية الوعي المجتمعي من أجل تحقيق إنجاز وطني مشهود وممارسة ستتذكرها الأجيال القادمة بكل فخر واهتمام، بالشكل الذي يضمن كفاءة التعامل مع تعدد وجهات النظر والتنوع في الأمزجة والآراء والأذواق والأفكار التي يؤمن بها الجيل الحالي والأجيال القادمة، فما هو مرغوب لعالمهم قد لا يكون كذلك في الأجيال التي عاصرت النهضة وعايشت مسارات العمل وكانت شاهد اثبات على التحول الحاصل في منظومة التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية والتشريعات والقوانين والاقتصاد والمال والبنية الأساسية.
وبالتالي كيفية التعامل مع حالة المواجهة التي قد تبدو في أجيال اليوم حول العديد من السياسات والخطط والتوجهات والأولويات في ظل بروز ثقافة النقد والأحكام المتسرعة والتي قد يبررها هذاالجيل في عجز المنجز المؤسسي عن تحقيق طموحات مواطنة المستقبل، بمعنى أن تقييم أجيال الألفية اليوم لمنجز النهضة يرتبط بمستوى الكفاءة والجاهزية والتنوع والاستدامة والمهنية والجودة والابتكارية والأصالة في المنجز التنموي والمحافظة عليه وعدم الاستئثار به بشكل يفقده استدامته للأجيال القادمة. وكيف يمكن لأبناء النهضة إقناع الجيل الحالي والأجيال القادمة أن كل الجهود التي يقومون بها أو يقوم بها غيرهم ليس بالضرورة أن تظهر مخرجاتها اليوم ولا يلمسون نتائجها الساعة، ولكنها تحتاج لفترة من الزمن أو لبعض الوقت فهي رصيد وطني لأبناء الوطن وبناته، ومشتركهم الذي يفخر به أبناء النهضة بأن ما قاموا به من دور مشرّف وما قدموه من تضحيات مجيدة هو رصيدهم الذي سيذكر هم به التأريخ ويكتبه بماء الذهب على صفحاته المشرقة، وهو المنهج الذي ستعمل الأجيال القادمة على تبنّيه مع إضافة لحن التجديد عليه، كما عمل أبناء عمان فكانت جهود الآباء والأجداد منهج عمل لهم أضافوا إليه ما استجدته الأيام وارتبط بالمواقف والأحداث والطموحات" غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون".