[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
” اقترح حزب "كلنا" الصهيوني المتطرف، والمشارك في الائتلاف الحكومي لحكومة نتنياهو اقترح مؤخراً برنامجاً لما أسماه "تطوير وتكثيف الاستيطان في هضبة الجولان"، يتضمن حصول المستوطنين على امتيازاتٍ اضافية عالية، ومكافآت عند شراء الأراضي، وتحسين البنى التحتية، وتوسيع المناطق الصناعية، وكل ذلك بهدف جلب المزيد من المستوطنين إلى الهضبة السورية المحتلة،”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجولان السوري المحتل على الأجندة مجدداً، فهو ليس بعيداً عن الخطة الأميركية للتسوية في المنطقة والمعنونة بـــ "صفقة القرن"، بل جزءاً من مسارات الحلول المُقترحة أميركياً، وفق التسريبات التي تمت حتى الآن، ونشرت بعضاً منها الصحف العبرية الصادرة في فلسطين المحتلة، وبعض الصحف والمطبوعات الأميركية.
كذلك، الجولان السوري المحتل ليس بعيداً عن المشهد السياسي "الإسرائيلي" اليومي وتفاعلاته، حيث تَشهَد قضية الجولان السوري المُحتل حضوراً قوياً الآن على طاولة البحث في "إسرائيل"، فالنية واردة عند حكومة بنيامين نتنياهو للإقدام على خطوة جديدة تُطالب بها الإدارة الأميركية بالإعتراف بقانون الضم "الإسرائيلي" للهضبة السورية المحتلة منذ الخامس من يونيو 1967، على غرار ماوقع بالنسبة للجزء الشرقي من مدينة القدس. فقد كانت سلطات الاحتلال قد اعلنت وعبر قرارٍ من الكنيست (البرلمان) عن ضم الجولان السوري المحتل عام 1981 (حوالي 1200 كلم مربع)، فرفض المجتمع الدولي ومجلس الأمن والجمعية العامة القرار إياه، ولم يعترف به حتى الآن، ويعتبر الجولان جزءا من الأراضي السورية المحتلة. والآن، تحاول حكومة نتنياهو التأثير على الإدارة الأميركية ودفعها للإعتراف بقانون الضم، في حين تحفَّظَ السفير الأميركي في "إسرائيل" ديفيد فريدمان تجاه الموضوع، وطالب حكومة نتنياهو بالتريث.
أطماع "إسرائيل" في الجولان السوري دفعت العديد من صناع القرار فيها للقول : "هضبة الجولان دون سلام، أفضل من السلام دون هضبة الجولان"، كلام قيل بطريقة توحي بدرجة عالية من اللامسؤولية، ويكذب الادعاءات السلامية "الاسرائيلية". خصوصاً عندما تتراكم المعلومات التي تُشير الى النوايا التي تؤكد عليها الأجهزة الأمنية "الاسرائيلية" وقادة "الجيش الاسرائيلي" الذين يتحدثون عن الحاجة الى تغيير النظرية الاستخبارية العسكرية بالسرعة الممكنة بالنسبة الى سوريا، وأن يتم تحديثها بخطوات استعدادية، وعملية فورية بعد التطورات الأخيرة الجارية في جنوب غرب سورياً، وتحديداً في منطقة الحدود الأردنية السورية مع فلسطين المحتلة.
ويرى رئيس حزب "هناك مستقبل" المعارض في "إسرائيل" يائير لبيد "أنَّ على الولايات المتحدة وأوروبا دعم السيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان". كلام يائير لبيد جاء في مؤتمر نظمه تحت عنوان "العالم يدعم الجولان". وقال "أتوجه من هنا إلى رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب واقول له : بعد أن اتخذت خطوة جريئة من أجل الشعب الإسرائيلي، اعترفت فيها بالقدس عاصمة لإسرائيل، وأمرت بنقل السفارة، نطلب منك الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان".
وحقيقة الأمر، إنَّ أطماع "إسرائيل" بالجولان السوري المحتل لاحدود لها، لعدةِ أسبابٍ : استراتيجية لها علاقة بموقع الجولان بالنسبة لفلسطين وعموم بلاد الشام، واقتصادية لها علاقة بثروات الجولان بما في ذلك الثروة الزراعية، ولها علاقة بوجود مكامن للنفط فوق أراضي الهضبة كما تُشير العديد من المعطيات، ولها علاقة أيضاً بالثروة المائية التي تخزنها اراضي الجولان، ووجود جبل الشيخ أبو المياه (جبل حرمون).
وعليه، فإن مشاريع الاستيطان الصهيوني الجائر فوق أراضي الجولان السوري المحتل، مازالت مُستمرة، وتجري بخفوتٍ بعيداً عن الأضواء فوق الأراضي السورية المحتلة، تلك الأراضي التي تُعتبر منطقة جيوستراتيجية، وقد اقترح حزب "كلنا" الصهيوني المتطرف، والمشارك في الائتلاف الحكومي لحكومة نتنياهو اقترح مؤخراً برنامجاً لما أسماه "تطوير وتكثيف الاستيطان في هضبة الجولان"، يتضمن حصول المستوطنين على امتيازاتٍ اضافية عالية، ومكافآت عند شراء الأراضي، وتحسين البنى التحتية، وتوسيع المناطق الصناعية، وكل ذلك بهدف جلب المزيد من المستوطنين إلى الهضبة السورية المحتلة، التي تتواجد فوق أرضها نحو (32) مستعمرة، ومدينة واحدة (كتسرين)، مُنخفضة السكان، اذ لايتجاوز عدد سكان تلك المستعمرات المقام فوق الهضبة السورية سوى نحو خمسين الف مستوطن بالرغم من سنوات الإحتلال المديدة. لذلك إنَّ مشروع حزب "كلنا" يهدف لمضاعفة عدد السكان في الجولان خلال عقدٍ من الزمن. ومن المتوقع أن تصل كلفة البرنامج إلى نحو اربعة مليارات دولار، وقد تم عرضه خلال جلسة للحزب في الكنيست، فيما دعا رئيس الحزب، وزير المالية موشيه كحلون، إلى دعم البرنامج بشكل واسع.
إنَّ دعوات العودة لتكثيف وتنشيط حركة الإستيطان في الجولان، تعود لأسبابٍ كثيرة من وجهة نظر العديد من الأحزاب "الإسرائيلية"، فعضو حزب "كلنا" مايكل أورن، يرى أنَّ "هناك حاجة استراتيجية أمنية عليا، اقتصادية، وصهيونية لتطوير هضبة الجولان"، ويقصد بالتطوير استعمار الهضبة وزيادة أعداد سكانها من المستوطنين.
لقد فَشِلَت "إسرائيل" في جلب الأرقام المحددة التي كانت تطمح بها من اليهود للاستيطان والإقامة في الجولان (نصف مليون مستوطن) لأسبابٍ عديدة، لكنها تَشهَد الآن زخماً كبيراً في البناء لم تعهده منذ سنينٍ طويلة. وتُشير المعلومات المنشورة لزيادة مقدارها نحو (400 في المائة) في شراء الشقق الاستيطانية في مرتفعات الجولان. وقد وضع مايسمى بالمجلس الإقليمي للاستيطان في الجولان المعروف اختصاراً بـ "هاغولان" وضع خطة سنوية تهدف إلى استيطان نحو (300) عائلة يهودية جديدة في مرتفعات الجولان، و (150) عائلة إضافية في مستعمرة "كتسرين" القريبة منها، في اطار حملة ديموغرافية – إستراتيجية، لتهويد الجولان العربي السوري المحتل.
الى ذلك، وبكل الحالات، إنَّ قضية الجولان المحتل، قضية وطنية سورية بامتياز، وقضية إجماع عام في سوريا، لاتقبل الحلول الوسط، ولاتقبل منطق المساومة، بل إنَّ كل ما اعترى مسار التسوية والمفاوضات على مسارها السوري مع دولة الإحتلال طوال عقدي التسعينيات من القرن الماضي وماتلاه، جاء بسببٍ من سياسات الإحتلال والتهرب من الشرعية الدولية، فيما تمحور الموقف السوري بالإصرار على تطبيق قرارات الشرعية الدولية، والإنسحاب التام لقوات الإحتلال من الجولان المحتل.
وكما عاد المبعوثين الأميركيين لوجارد كوشنير وجيبسون غرينبلات الى واشنطن أوائل الشهر الحالي خاليي الوفاض، وفق تصريحاتهما، فإن "صفقة القرن" لن تصطدم فقط بالموقف الفلسطيني، بل ستصطدم بجدار الموقف السوري أيضاً عند التطرق لموضوع الجولان السوري المحتل. فمصير المنطقة لن يكتبه سوى أبنائها وليس أصحاب المشاريع الآتية من وراء البحار.