[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]
” المرحلة الزمنية القادمة ستحتاج إلى تنسيق أكبر بين كل من روسيا والصين على اعتبار أنهما يشكلان " شراكة " قوة الاقتصاد والقوة العسكرية الوحيدة القادرة على تغيير خارطة القوى الدولية بوجه عام وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص, وكذلك القوى الوحيدة القادرة على مواجهة الولايات المتحدة الأميركية, وباعتقادي أن دول أخرى ستدخل في ذلك التحالف القائم على التشكل منذ فترة زمنية ليست بالقصيرة, ”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد تراجع المركزية الأميركية ودخول النظام العالمي الراهن منذ مطلع العام 2001م إلى مرحلة التشظي باتجاه نظام حكم الكثرة, تحاول كل من الصين وروسيا التعاون والشراكة حول العديد من القضايا العالمية المختلفة, خصوصا تلك التي تساهم في إعادة تشكيل خارطة القوى الدولية في القرن 21, بما يضمن لهما الحصول على مقاعد الامتياز بين تلك القوى العالمية القادمة, الأمر الذي يفرض عليهما بالضرورة التصدي لكل المحاولات الأميركية التي تتجه نحو إعادة تشكيل نفس الخارطة ولكن بما يحقق لهذه الأخيرة ضمان الإمساك "بالريموت كنترول ".على ضوء ذلك نلحظ بين الحين والآخر ظهور بعض التقارب بين الصين وروسيا في التوجهات السياسية والآراء الأمنية ووجهات النظر الاقتصادية حيال عدد من القضايا ذات المصالح المشتركة, أو تلك التي تجمعهما معا حولها عداوة أو ضرر مشترك كما هو الحال في بعض الأوقات مع توجهات الولايات المتحدة الأميركية حول بعض الملفات في منطقة الشرق الأوسط خصوصا.
ومن أبرز الأمثلة الحاضرة على ذلك التوجه إعلان كل من الرئيس الروسي والصيني بأنهما سيبذلان كل ما بوسعهما للمحافظة
(على خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني، معربان عن ضرورة حماية مصالح التعاون التجاري الاقتصادي مع طهران من العقوبات أحادية الجانب. كما أعلن قادة روسيا والصين أنهما: في ظروف المتغيرات الدولية الصعبة، ستستمران بتنمية التعاون الاستراتيجي، وإحداث نقلة نوعية في التنسيق على مستوى وزارتي الخارجية والدعم المتبادل على الساحة الدولية).
هذا التقارب الذي تدرك أبعاده الجيوسياسية الولايات المتحدة الأميركية, وكذلك حليفتها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط, إسرائيل, وما يمكن أن يحققه في حال تم بطريقة التحالفات أو الشراكة المحكمة بينهما, وما يمكن أن يزيد الأمر خطورة ويضاعف التهديدات هو دخول كل من إيران وبعض دول الشرق الأوسط " النفطية" إلى هذا التحالف الاستراتيجي.
الأمر الذي سيمكن هذه المجموعة من السيطرة على التجارة والاقتصاد العالمي من جهة , ولا يستبعد أبدا أن يؤثر ذلك على سوق التسلح الأميركي في منطقة تعد القوة الشرائية الأكبر في العالم . وبتصوري أن الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي حيال أي نوع من أشكال التقارب يمكن أن يحدث بين المثلث الاستراتيجي" روسيا, الصين, إيران " فكيف إذا ما دخلت إلى هذا التحالف كل من " الهند وربما تركيا وبعض دول الشرق الأوسط " .
إذا يبدو الحل الأسرع لدى الولايات المتحدة الأميركية في هذا السياق هو بعثرة الأوراق وخلط القضايا مع بعضها البعض خصوصا تلك الملفات المضطربة والمعقدة في منطقة الشرق الأوسط كما هو الحال حيال الملف النووي الإيراني وملف الصراع في سوريا واليمن عبر صفقات وتنازلات معينة بين مجموعة القوى الكبرى الفاعلة من جهة , وكذلك الضغط على بعض القوى الدولية كدول أوروبا بهدف استمالتها وتغيير وجهة نظرها تجاه تلك الملفات لتكون متقاربة مع وجه النظر الأميركية الإسرائيلية من جهة أخرى, وهو الأمر الذي "يمكن" أن يغير من مسار بعض تلك التحالفات والشراكات الحاصلة بين بعض القوى الدولية التي تحاول احتواء توجهات الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط بما يخدم مصالحها الاستراتيجية على حساب مصالح بقية القوى الكبرى وتلك القارية والإقليمية في الشرق الأوسط.
صحيح أن كل من السياسة الخارجية الروسية وكذلك الصينية تسير على ما يبدو وفق ثوابت سياسية وحسابات صعبة كما هو حال التواجد الروسي في سوريا رغم كل الظروف والتحديات التي مرت بها روسيا في سوريا خلال الفترة من 2013-2018 , إلا أنها أثبتت أنها نصيرة لمواقفها السياسية مهما كلفها الأمر وعلى استعداد للدخول إلى أصعب الحسابات السياسية في الشرق الأوسط حتى وقتنا الراهن على أقل تقدير. وهذا الأمر بكل تأكيد سيتم إثباته بشكل أكبر إن صح خلال المرحلة القادمة, اقصد عبر نتائج اللقاء المحتمل بين كل من الرئيس ترامب والرئيس بوتين في هلسنكي.
وبتصوري أن هذا اللقاء الذي سيجمع كلا من بوتين وترامب سيسبقه تنسيق مسبق أو ربما اجتماعات على مستوى الزعماء بين روسيا والصين وإيران وربما بقية دول معسكر المواجهة حول قضايا المنطقة, بما يضمن لروسيا كلمة قوية وموحدة حيال تلك القضايا في مواجهة التوجه الأميركي الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط من جهة, وكذلك ضمان مصالح تلك الدول في ذات المنطقة من جهة أخرى, يضاف إلى ذلك وحدة الكلمة بين تلك القوى الفاعلة, خصوصا روسيا التي تعول عليها كل من إيران وسوريا باعتبارها ورقة رابحة في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية, بالرغم من أن هذه الأخيرة تواجه من الضغوط الأميركية والإسرائيلية ما يمكن أن يجعلها في موقف صعب, لا يمكن أن يخفف من أشكاله إلا تعاون الصين وإيران معها.
إذا المرحلة الزمنية القادمة ستحتاج إلى تنسيق أكبر بين كل من روسيا والصين على اعتبار أنهما يشكلان " شراكة "قوة الاقتصاد والقوة العسكرية الوحيدة القادرة على تغيير خارطة القوى الدولية بوجه عام وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص, وكذلك القوى الوحيدة القادرة على مواجهة الولايات المتحدة الأميركية, وباعتقادي أن دول أخرى ستدخل في ذلك التحالف القائم على التشكل منذ فترة زمنية ليست بالقصيرة, وسيكون على رأس تلك الدول الجمهورية الإيرانية, ولا يستبعد أبدا وبالرغم من بعض الخلافات وتضارب المصالح أن تدخل في ذلك المثلث الاستراتيجي كل من الهند وتركيا وبعض دول الشرق الأوسط وبعض دول أميركا الجنوبية.
إذا منطقة الشرق الأوسط خصوصا وخارطة السياسة الدولية عموما وفي حال استمر الرئيس الأميركي ترامب بالضغط باتجاه تغيير العديد من التوجهات السياسية القائمة والمستقرة على أقل تقدير في الوقت الراهن دون مشاركة أو تبادل في الآراء والأفكار مع بقية القوى الكبرى أو الإقليمية كروسيا والصين على سبيل المثال لا الحصر, أو استمر الحال دون تدخل من قبل القوى السياسية والأمنية في الداخل الأميركي باتجاه إيقاف أو احتواء التوجهات الرئاسية بما يخدم التوازنات الدولية ويراعي مصالح الجميع, مقبلة على ردود أفعال موازية من قبل تلك القوى الفاعلة على رقعة الشطرنج الدولية, ربما ستبدأ بمواجهات اقتصادية وتجارية كما هو الحال مع الصين, ولكنها لن تقف عند ذلك, فهناك ملفات أكثر سخونة تحرك تلك العلاقة المضطربة كما هو الحال حيال الملف النووي الإيراني وما يمكن أن يترتب عليه من تبعات سياسية وأمنية في منطقة الشرق الأوسط.