في الوقت الذي تبدي فيه دول في هذا العالم قلقها من انتشار الإرهاب وتكرس جهودها لمحاربة هذه الآفة التي تضرب أطناب الأرض بلا هوادة، تمارس دول كبرى دورًا مزدوجًا تجاه هذه الظاهرة الخطيرة، دورًا لا يمكن وصفه إلا بأنه نفاق ودجل تتلطى خلفه أجندات ومشاريع تدميرية، وذلك من خلال الوقوف على مواقف هذه الدول الكبرى من ظاهرة الإرهاب التي تعصف بدول منطقتنا ودعم هذه الآفة من تحت الطاولة وفوق الطاولة، ومزاوجة هذا الدعم ليشمل أبرز ظاهرتين إرهابيتين في تاريخ المنطقة هما كيان الاحتلال الإسرائيلي والتنظيمات الإرهابية التي لم تتورع القوى الكبرى المدعية بأنها "ديمقراطية"، وتدعم "الحرية" و"تحمي" حقوق الإنسان عن التصريح بهذا الدعم تحت شعارات كاذبة وخادعة، حيث بررت دعمها للإرهاب الإسرائيلي بما يسمى "حق الدفاع عن النفس"، في حين بررت دعمها للتنظيمات الإرهابية وتأبطها إرهابها بكذبة دعم "الحرية" و"نشر" الديمقراطية، و"حماية" حقوق الإنسان، و"مساعدة" شعوب الدول المستهدفة لـ"تحقيق تطلعاتها".
وتبرز هذه المزاوجة المفضوحة والمخجلة أكثر، بتبني تلك القوى الكبرى سياسة ازدواجية المعايير وسياسة الكيل بمكيالين فيما يخص العلاقة بين كيان الاحتلال الإسرائيلي والشعب الفلسطيني المحتل ومقاومته المشروعة، فمع أولى الخطوات الجادة نحو البحث عن أسباب انتشار ظاهرة الإرهاب سيكتشف العالم أن هناك أشكالًا من الظلم لحقت بشعوب عديدة بسبب عنصرية مقيتة تجتاح الفكر السياسي الغربي الراهن وبخاصة تجاه مصالح العرب وحقوقهم وفي طليعتهم الشعب الفلسطيني الذي يعاني صنوف الهوان والإرهاب بأيدي جيش الاحتلال الصهيوني وقطعان المستوطنين الذين يجثمون على أرضه ويقتلون أطفاله ويقتلعون أشجاره ويجرفون أرضه ويستهلكون مياهه، ولا يتركون له من أسباب الحياة شيئًا، ثم نجد بعد ذلك زعامات وسياسيي تلك الدول الكبرى الداعمة لهذا الإرهاب الإسرائيلي يطالبون ذلك الشعب الواقع تحت الاحتلال بتقديم تنازلات للغاصبين، ونزع سلاحه، والتخلي عن مقاومته، ليكون لقمة سائغة في فم عدوهم الغاصب، وليكونوا هدفًا أكثر سهولة أمام طائرات الاحتلال الإسرائيلي ودباباته ومدافعه وبوارجه الحربية، ومن ثم يسهل تدجينهم، فهل هذا فيه شيء من المنطق والعدل؟ وهل هذا "دعم" للحرية و"نشر" للديمقراطية و"حماية" لحقوق الإنسان و"مساعدة" لتطلعات الشعب الفلسطين؟ وهل هذا "دفاعًا عن النفس"؟ وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فأي شيء قدمه الأميركيون كتنازل للبريطانيين حين كانوا يحتلون الولايات المتحدة وكان الشعب الأميركي يطلب منهم الجلاء عن أرضهم؟ باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة وجون كيري وزير الخارجية الأميركي ومن معهم من الحلفاء والعملاء يتحدثون بلسان إسرائيلي مطالبين اليوم القيادة الفلسطينية وقادة المقاومة الفلسطينية باتخاذ ما يسمونه مواقف سياسية شجاعة بالموافقة على نزع سلاح الفصائل والتخلي عن المقاومة التي يعتبرونها إرهابًا بينما يراها العالم كله دفاعًا مشروعًا عن الحق ومقاومة عنيدة ضد غاصب محتل.
إن أكبر مواطن الخلل في معالجة قضية الإرهاب الدولي هو المساواة بين العمل الإرهابي المجرم والعمل المقاوم المشروع ضد المحتلين، وما لم تتغير هذه النظرة ومعالجة هذا الخلل، فلا زوال لهذه الآفة.