[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
” ... عندما يكون صاحب الثروة موظفا عاما أو مسؤولا حكوميا, ويخشى من تضخم حسابه في البنوك المحلية وانكشاف أمره وخضوعه للمساءلة القانونية من أين لك هذا؟!, فيهرب أمواله للخارج مستغلا سرية الحسابات التي توفرها بنوك الملاذات الآمنة وعدم وضعها شروطا أو ضوابط على حجم ومصدر رأس المال وهذه البنوك تقوم بغسل عائدات الفساد و الأموال القذرة في أنشطة شرعية عالية الربحية.... ”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كلما قابلت قريبا أو صديقا أو زميلا من مختلف المهن والثقافة والمكانة الاجتماعية, وسألته عن الأحوال, إلاَّ وتجده يشكو من ضيق الحال وقلة الأموال ويتحدث عن الأزمة الاقتصادية التي طال أمدها , وتعاني منها معظم دول العالم وكيف أن الأزمة رفضت هذه المرة الانصراف كما انصرفت سابقاتها على مر التاريخ؟!.
الاقتصاديون يقولون إن هناك دورة اقتصادية يرتفع فيها الاقتصاد وينحسر خلال فترة زمنية محددة ولكن اتضح أن الأزمة الحالية تاريخها يعود للعام 2008م ومازالت مستمرة حتى الآن , مخلفة اختلالات اجتماعية وسياسية في بنية كثير من الدول, ولكن السؤال "العويص" , أين ذهبت "الفلوس", بعد أن شح وجودها في السوق واختفت من الجيوب.
يرى خبراء الاقتصاد أن العالم كان يبدو بخير حتى العام 2008م , وكانت عجلة النمو الاقتصادي تسير بوتيرة متسارعة وانتشر الازدهار وتقلص الفقر في آسيا وأميركا اللاتينية وبعض الدول الإفريقية, وحققت كثير من الدول نسب نمو فاقت الـ 10% , وفجأة وبدون مقدمات دخل العالم في أزمة اقتصادية شبه كونية مع قدوم العام 2011م , أرجع بعض الاقتصاديين سببها إلى خفض البنك المركزي الأميركي لأسعار الفائدة على القروض إلى 1% , وممارسة إدارة أوباما ضغوطا على البنوك لتخفيف شروط الإقراض دون تقديم ضمانات كافية وإلاَّ اتهمت بالتمييز, وشرعت وزارة العدل الأميركية بمقاضاة البنوك ومؤسسات التمويل التي رفضت منح الأسر قروضا بحجة ضعف ملاءتهم المالية.
فاندفعت ملايين الأسر الأميركية للحصول على قروض لشراء منازل وعقارات غالية الثمن بالتقسيط بتمويل من البنوك, واستفادت شركات التطوير العقاري في البداية وحقق أصحابها ثروات طائلة بعدما أخذت أموالها "كاشا" من البنوك وبقي البنك في مواجهة "الزبون الغلبان" ووجدت كثير من الأسر نفسها عاجزة عن سداد أقساط شراء هذه المنازل, ولم تجد البنوك بداً من مصادرة العقارات المتعثرة , كما لجأ ملاك متعثرون في السداد لبيع عقاراتهم بـثمن بخس بـ "الحريق" لسداد أقساط البنوك , مما أدى لزيادة المعروض على الطلب في سوق العقارات وهوت الأسعار إلى الحضيض, ووجدت البنوك نفسها أمام مساكن مصادرة غير قابلة للبيع وحجم سيولة فقدته في تمويل بناء و شراء هذه العقارات.
وعندما تفجرت أزمة الرهن العقاري في أميركا, بدأت البنوك في بقية دول العالم تراجع عملياتها, واكتشفت أن عملياتها الائتمانية مليئة بقروض عقارية غير قابلة للسداد موزعة على جميع فروعها حول العالم, وسارعت البنوك للتخلص من هذه الديون العقارية بأي ثمن , مما أدى لخسارة الدول الكثير من رؤوس الأموال التي أنفقتها على بناء المنتجعات والتجمعات السكنية الفاخرة, وتحولت أزمة الرهون العقارية إلى أزمة بنكية وانقطعت القروض البنكية عن المشاريع العقارية الجادة والمقاولات السليمة وهي المحرك الرئيسي للاقتصاد.
أدت هذه الأزمة لتآكل أصول أكبر البنوك الأميركية وانهيار بنك "ليمان براذر" الذي ظل لمدة 150 سنة أهم بنك يقدم استشارات استثمارية ومالية حول العالم, بعدما خسر مليارات الدولارات من أصوله, مما أصاب القطاع المصرفي حول العالم بالذعر , وحدث انخفاض حاد في المراكز المالية الدولية, وتوقفت البنوك عن منح القروض بجميع أنواعها, الأمر الذي استدعى تدخل الرئيس أوباما وبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لتعويم البنوك وشركات التأمين , وتدخلت الدول من أجل إنقاذ بنوكها ومنع انهيار اقتصادها.
أما أين ذهبت "الفلوس"؟!, فقد كشف بحث نشر مؤخرا عن استثمار الشركات متعددة الجنسيات وبعض الأفراد الأثرياء 12 تريليون دولار في شركات صورية مختبئة في ملاذات ضريبية بجزر نائية , هربا من سداد الضرائب والخضوع للرقابة المالية في دولها, ويتم ذلك باتباع طرق تهريب معقدة.
تتم هذه الممارسات رغم وجود حالة استنفار دولي للحد من الاستخدام الضار للملاذات الضريبية الآمنة, بإلزام الشركات متعددة الجنسيات بإبلاغ الدول التي تعمل بها بكافة المعلومات عن نشاطها الاقتصادي وإلزام البنوك بإجراء تحريات دقيقة وشاملة عن نشاط الزبائن والإفصاح عن الحسابات المملوكة لأجانب وإبلاغ السلطات الضريبية المحلية للتنسيق مع نظيرتها الأجنبية بموجب اتفاقات دولية لتسهيل تبادل المعلومات الخاصة بالعملاء.
ويقوم البنك الدولي بصفة دورية بإصدار قائمة سوداء بالدول والبنوك التي تتورط في تقديم إعفاءات ضريبية مبالغ فيها أوتستقبل أموالا مشبوهة غير معلومة المصدر لجذب رؤوس الأموال إلى بنوكها ومشروعاتها فيما يشبه عمليات غسيل الأموال , وتوعد البنك بعقاب هذه الدول والبنوك وحصارها اقتصاديا وماليا.
كما أن الأفراد الأثرياء يستخدمون هذه الملاذات على نطاق واسع وتتحدث الدراسة عن ثروات فردية تقدر بـ7 تريليونات دولار أي حوالي 10% من إجمالي الناتج المحلي العالمي, اختفت ولا يعرف مكانها, وأصحاب هذه الثروات يحملون جنسيات الدول الإسكندنافية وروسيا وبعض الدول العربية والدول التي تعاني من عدم استقرار مالي مثل الأرجنتين واليونان.
وأحيانا يلجأ الأفراد لتخبئة أموالهم في حسابات خارجية لأسباب ليس لها علاقة بالتهرب الضريبي , وإنما لها علاقة بالرشوة والاختلاس والفساد, عندما يكون صاحب الثروة موظفا عاما أو مسؤولا حكوميا, ويخشى من تضخم حسابه في البنوك المحلية وانكشاف أمره وخضوعه للمساءلة القانونية من أين لك هذا؟!, فيهرب أمواله للخارج مستغلا سرية الحسابات التي توفرها بنوك الملاذات الآمنة وعدم وضعها شروطا أو ضوابط على حجم ومصدر رأس المال وهذه البنوك تقوم بغسل عائدات الفساد و الأموال القذرة في أنشطة شرعية عالية الربحية مثل استخراج المواد الأولية في مناجم الذهب والماس بغرب إفريقيا أو المضاربة في تجارة السلع الأولية بالبورصات العالمية.
وبينت الدراسة فقدان البنوك السويسرية لـ 50% من حجم الإيداعات الموجودة بها, بعد استجابة الحكومة السويسرية للضغوط الدولية والأميركيةـ عقب أحداث ضرب البرجين في اا سبتمبر2001م ـ , وغيرت قانون سرية المعلومات المصرفية , بالإفصاح عن المعلومات البنكية في حالة صدور حكم قضائي , واتجهت الأموال عقب ذلك إلى بنوك مكاو وهونج كونج وسنغافورة وجزر البهاما وجرسي والكايمان.