[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/05/ibrahim.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]ابراهيم بدوي[/author]
” .. آخر الخطوات التصالحية الإفريقية هو إعلان أثيوبيا وأريتريا انتهاء حالة الحرب بينهما، وذلك في بيان مشترك غداة لقاء تاريخي بين رئيس الحكومة الأثيوبي ابيي احمد والرئيس الاريتري ايسايس افورقي في اسمرة، ولا يستطيع احد توقع صمود هذا السلام الجديد، لكنه خطوة كبيرة تجاوزت أكثر من 20 عاما من الصراع المتواصل، ”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استطاعت العديد من البلدان الافريقية إلى حد بعيد، الخروج من بوتقة الحروب الاهلية التي دبرت بتوجيهات الدول التي استغلت موارد القارة السمراء على مدى عقود، وهي من أججت الحروب وسعت إلى ايجاد اقليات تشكل نواة لتلك الحروب الاهلية في كل مكان تواجدت فيه، وهنا لا يختلف الاحتلال الانجليزي عن الفرنسي أو الالماني أو البلجيكي، فالمخطط الاستعماري بعقليته التي تسعى إلى سيطرة دائمة على مقدرات تلك القارة الغنية، بدءا من استعباد البشر، وصولا لاستنزاف الموارد بشكل لا ينكره التاريخ الاستعماري ذاته، إلا أن الجميل أن العديد من البلدان الافريقية قد استطاعت تخطي مرحلة ما بعد الاحتلال، وما شهدته من حكام اتصفوا بالديكتاتورية، وكان لهم دور كبير في منع النهوض الافريقي رغم الموارد، التي تمتلكها تلك القارة الاغنى في العالم، وانتشر الفساد وكان للمؤسسات السيادية اليد الاولى في موارد البلاد، بينما قبعت الشعوب في فقر مدقع، جعلها القارة الاكثر سعيا للهجرة.
وبرغم أن الوضع هذا لايزال قائما في معظم بلدان القارة إلى أن نماذج مثل تنزاينا، وليبيريا وتوجو واثيوبيا وقبلهم تجربة جنوب افريقيا، قد خلقت حالة من إمكانية التغيير، وأن الافارقة قادرون على التعايش السلمي اذا كان عنوان الحكم العدالة في توزيع الثروات، فقد تحول اقتصاديات هذه الدول ومستوى دخل الفرد ليشكل قفزة كبيرة، وبدأت ملامح انطلاقة علمية وتعليمية وصحية، وبدا الأتحاد الافريقي أكبر قوة، وقدرة على حل المشكلات الافريقية الداخلية، بشكل قاد الامور نحو الحلحلة في العديد من هذه المشكلات المستعصية، كما استحثت النماذج الناجحة غيرها من دول القارة للتوجه نحو نماذج من الحكم الرشيد الذي يتجه بالصراع نحو الصندوق، وترك العديد من الجماعات العرقية والاثنية الافريقية فكرة الصراع المسلح إلى غير رجعة.
وآخر الخطوات التصالحية الافريقية هو اعلان اثيوبيا واريتريا انتهاء حالة الحرب بينهما، وذلك في بيان مشترك غداة لقاء تاريخي بين رئيس الحكومة الاثيوبي ابيي احمد والرئيس الاريتري ايسايس افورقي في اسمرة، ولا يستطيع احد توقع صمود هذا السلام الجديد، لكنه خطوة كبيرة تجاوزت أكثر من 20 عاما من الصراع المتواصل، وسيعطي أمل لسكان البلدين في عصر جديد من السلام والصداقة، وبحسب احاديث الخبراء فإن هناك رغبة صادقة من البلدين للعمل معا على تشجيع تعاون وثيق في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والامنية، وبدء تشغيل خط الطيران وفتح الموانئ لكي يتمكن المواطنون من التنقل بين البلدين واعادة فتح السفارات، وخرجت التصريحات الوردية من المسؤولين أبرزها ما قاله رئيس الوزراء الاثيوبي عن هدم الجدار وبناء جسر بالمحبة البلدين.
لكننا نكرر أن مستقبل هذه الاتفاقية لا يزال غامضا فقد علمتنا التجارب السابقة أن اتفاقيات افريقيا تعاني من عدم الرسوخ، رغم أنها تتوافق مع النهج الافريقي الجديد الذي بات أكثر اختلافا عن مراحل الصراع المريرة التي عاشتها القارة السمراء، ومن هنا يأتي الامل في أن تكون هذه المصالحة التي أنهت صراعا حدوديا استمر من 1998 حتى 2000 واسفر عن سقوط نحو 80 الف قتيل، توجه جديد ونموذج يؤطر لعلاقات افريقية افريقية راسخة.
كما سيعود هذا التصالح بالمنفعة على البلدين خصوصا بعد اعادة العلاقات الدبلوماسية والتجارية بعد سنوات من الانفصال، كما سيعود بفائدة كبرى على منطقة القرن الافريقي الفقيرة والتي تشهد نزاعات، حيث سيسمح فتح مرافئ اريتريا امام اثيوبيا بوفر اقتصادي للبلدين، كما سيشكل تحديا للهيمنة المتزايدة لجيبوتي التي استفادت من استيراد وتصدير البضائع من والى اثيوبيا. كذلك فان فتح الحدود سيسمح بالتقاء الشعبين المترابطين تاريخيا وعرقيا ولغويا.
إن الحالة الافريقية كشفت ما نعانيه في عالمنا العربي، من حالة عدم تجاوز مرحلة ما بعد الاستعمار، فمعظم الانظمة العربية تتصارع في السر وتتحدث عن وحدة مفقودة في العلن، لدرجة أن المصالح العربية لم تستطع أن تقنع تلك الانظمة بوحدة المصير، فما حدث في سوريا والعراق واليمن وليبيا، كان له تداعياته على كافة الدول العربية، سنظل نتراجع في المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، التعليم، الصحة، ما دمنا نتجاهل أهمية تلك القطاعات في النهوض العربي، وتظل الاموال العربية موجهة نحو تسليح جاهز دون السعي حتى عن اقامة منظومة تصنيعية عربية، لذا فلا عجب أن يزيد متوسط دخل الفرد في دول افريقيا كانت حتى وقت قريب تحت خط الفقر بمراحل، والان تشهد حالة من التنمية الشاملة التي طالت كافة المجالات، إن المفتاح يتلخص في الاتجاه نحو وطنية حقيقية تعلي مصلحة وطن يسمح للجميع بالتعايش ويفتح الافاق للتراقي الاجتماعي، وتحويل الصراع إلى تنافس سلمي على السلطة، بأدوات تعلي من حقوق الانسان، وترفع شعار المواطنة والعدالة الانسانية.