[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fawzy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]فوزي رمضان
صحفي مصري[/author]
” أصبحت ثقافة الأجوبة هي السائدة، تلعثمت الأسئلة على الشفاه في كل الأحوال، تجبن عند سؤال صاحب المكانة عن خلل، وتجبن أن تسأل صاحب السلطة عن خطأ، وتجبن أن تسأل المسؤول الكبير عن فساد، وتجبن أن تسأل المسؤول عن اعوجاج.السؤال جريمة وعيب وقلة أدب، إن تسأل فأنت منشق عن الجماعة، إن تسأل فأنت تغني خارج السرب وشاردا عن بقية القطيع.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من البيت إلى المدرسة كانت عقدة السؤال، ومن رعب الأب إلى رهاب المدرس، تلوت علامة الاستفهام على شفاه الصغار، فأخرستهم عن السؤال، الخوف من سخرية زملاء الفصل، قيدت كل علامات التعجب والاستفسار على أفواه التلاميذ، النابهة منهم حتما سيصدم من سطحية المعلم وميوعة الأجوبة، وإن عجز عن الإجابة سيسفهه وينهره، تعود طلاب العلم على أن توجه لهم الأسئلة فقط، يتعلم فيسأل، ويمتحن فيسأل، ويتهم فيسأل، المطلوب في كل الحالات أجوبة معلبة ومحددة، واعتدنا عبارة (لاتسأل، أنا هنا من يسأل فقط ).
أصبحت ثقافة الأجوبة هي السائدة، تلعثمت الأسئلة على الشفاه في كل الأحوال، تجبن عند سؤال صاحب المكانة عن خلل، وتجبن أن تسأل صاحب السلطة عن خطأ، وتجبن أن تسأل المسؤول الكبير عن فساد، وتجبن أن تسأل المسؤول عن اعوجاج.السؤال جريمة وعيب وقلة أدب، إن تسأل فأنت منشق عن الجماعة، إن تسأل فأنت تغني خارج السرب وشاردا عن بقية القطيع.
لست بصدد سؤال العطاء أو طلب المال من الناس للحاجة أو العوز أو الفاقة، لكن عن السؤال الذي ينمي الفكر، ويخلق الإبداع ويلون الحياة ويطورها، السؤال الذي يرفع قامات البشر ويزيدهم علما وأدبا، السؤال المشروع لكل فاسد وظالم وجاهل وكل متخلف لماذا أنت هكذا ؟ السؤال لأولياء الأمر منا، لماذا جهلتمونا وربيتموناعلى إلغاء العقل والتفكير؟ لماذا كانت ثقافة النص وتقديس الإرث هي المتاحة، لماذا كانت سياسة السمع والطاعة هي السائدة ؟ لماذا كانت نظرية الأجوبة الجاهزة لكل الأسئلة ؟ بدون ذرة فكر أو استفهام، هي فقط المتاحة والمسموح بها، لماذا كنا دائما المتلقي، والمستهدف والمفعول به، دون إبداء الأسباب وبدون التعليق أو التلميح أو الهمس أو اللمز، وأين حق السؤال المشروع؟. لماذا عودتمونا على سياسة المتاح ؟ وسياسة ليس بالإمكان أفضل مما كان، ربيتموننا على الانبطاح والانكسار والرضا بالقليل، دون أن نسأل لماذا ؟ حتى أصبحنا قوالب جامدة ، وأصناما فانية، وعقولا بالية، فقدنا القدرة على الفرز والاختيار، فقدنا القدرة على تمييز الألوان، أصبحنا مكبا لكل المعلومات والأفكار والمعارف الجاهزة والفتاوى المضللة، من أصحاب العلم وأهل الذكر، أصبحنا مستودعا لكافة الأفكار الجاهزة، والشائعات المغرضة، والأخبار الكاذبة، وأمسينا نجهل الفرق بين الغث والثمين، نجهل ثقافة الأسئلة، كي نتحصن بالمعرفة، نجهل استخدام مفاتيح الأسئلة، كي نفتح كنوز العلم .
علمونا أن السؤال عيب وتعدٍ على الكبار، غرسوا فينا أن السؤال لغير الله مذلة، مع أن المقصود بسؤال الله، هو طلب العطايا والمنح من خالق الكون، تعمدوا غفلتنا وتزييف وتزوير عقولنا، ولنا الحق الآن أن نسألكم كيف افهمتمونا ذلك ؟ ونبي الله إبراهيم عليه السلام يسأل ربه ( رب أرني كيف تحيي الموتى) ويجيب العظيم جلت قدرته وعلا شأنه، على السؤال في بقية الآية، إذا لماذا حرمتمونا من ثقافة الأسئلة المشروعة لكل البشر؟، نحن لم نتعلم، لأن السؤال نصف العلم، وأنتم حرمتمونا من الأسئلة، العلوم أقفال والسؤالات مفاتيحها، وأنتم جعلتموننا أقفالا تفتح بمفاتيحكم.
لم نتعلم، لم نفهم، لم نفكر، لم نناقش، لم نسأل، فصرنا مسوخا متشابهة، وقوالب متناسخة، وتوابيت محنطة، فرض علينا الأمر الواقع، والرأى الواحد والاتجاة الواحد، فصرنا نشبه الهمج عندما نناقش، وصرنا أقرب إلى العبث عندما نفكر، تحكمنا الإيدلوجيات العقيمة والأفكار البالية عندما نتعلم، لم يروا أن السؤال يزرع الأفكار ويحصد المعلومات، ويحسن من مهارة التفاوض، ويساعد على فهم المشكلة.
علامة الاستفهام تتذيل السؤال ، لتكون الإجابة سيلا من المعرفة لطالب العالم وطالب المعلومة، خاصة المهتمين بالاتصال الجماهيري، عندما تنحصر أسئلتهم في الجملة الشهيرة التي تدرس في معاهد الإعلام (من متى أين كيف ولماذا) وهنا رأس المشكلة، هل يستطيع صحفيو العالم الثالث في الحصول عن أجوبة أسئلتهم ؟ فإن عرفوا متى، لا يعرفون من، وإذا عرفوا أين، لايعرفون كيف، والنهاية سيظل سؤال لماذا، يقيد ضد مجهول ولانعرف السبب، ونهاية المطاف تصل إلى المتلقي قشور من المعلومات وفتات من المعرفة، ولتنتشر الشائعات وتسري الأكاذيب وتسود فوضى الأخبار، إنهم لم يتعلموا ثقافة الأسئلة، وحق الفرد في المعرفة والمعلومة التي تؤسس لاستقرار المجتمع، وتؤصل لتنمية جوانب الحياة.
إن تطور العلم كان لتطور أسئلته، فلم يكتف بالسؤال العلمي لماذا فقط، لكن يعقبه السؤال كيف أيضا، ومابين كيف ولماذا، كان كل ماتنعم به في حياتك الحديثة، السؤال معين الفكر، ومحفز الاختراع ، فلماذا علمتمونا أن السؤال مذلة، حتى باتت حياتنا هي المذلة، والآن حتى وإن تعلمنا أن نسأل، أو تعلمنا ثقافة الأسئلة، سنظل دوما لانعرف الأجوبة.