[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
عادت صواريخ غزة إلى التحدث بلغة التحدي الذي يريد تحقيق مطالبها .. الصواريخ تولد كل لحظة تصميما على نيل الحقوق أو فلتكن الشهادة مدخلا لجيل لا يريد أن يستعطي حقوقا هي من حقه الذي لا تراجع عنه.
وماذا سيضيف التدمير الإسرائيلي غير ما هو مدمر، وهذه الأطلال أجمل من عمارات العرب ومن ناطحات سحابها، وهذه الحدائق التي لم يبقَ منها شجر يخبر عن ماضيه، هي أجمل من كل حدائق العرب ومن أشجارهم المشتراة مع تربتها كي تتمكن من النمو لأن تربة البعض العربي لا تصلح .. وليست أجمل من رائحة بارود صواريخ غزة وهي تخرج من مخابئها، التي تساوي كل شوارع العرب التي صرفت عليها المليارات مثلما صرفت على المؤامرات.
ستظل قناة "الميادين" مكانا نصغي إلى صدقه ومهنيته العالية وحسه العروبي العالي، بل ستظل دموع لينا زهر الدين على أطفال لم يروا من طفولتهم غير الكذب العربي الذي يأتيهم على صورة موت مصنوع في عواصمهم التي توحدت مع الهجمة الإسرائيلية.
شروط غزة إما الموت الشامل أو العيش كالبشر .. لا نريد أنصاف حلول، ليس هنالك نصف نصر أو نصف هزيمة، إما كامل النصر أو فلتكن الجحيم مفتوحة حتى آخر صاروخ وآخر طلقة وآخر شهيد.
وكالعادة، لن يبكي نسوة غزة، ولن يردحن كعادة النسوة، ثمة دموع تحكي النشيد الداخلي، تمسح الإحساس وتظهره حتى آخر نقطة مالحة ساخنة، وليتفرج العالم، لم يعد يعنينا إحساسه البليد، ولينظر العرب إلى عذاباتنا بعين الشفقة، فنحن من نشفق على مستقبلهم طالما أنهم قبلوا السكوت في حضرة الآتي الذي يطولنا أولا كي يطولهم لاحقا، قطرا قطرا، بكل طوائفهم ومذاهبهم، وها قد ظهرت العناوين في أكثر من مكان، وهذا هو الخراب الذي بوادره تحكي عما سيأتي ..
لا بد أن ننال كل المطالب، تقول غزة ولا تتراجع .. ثمة حقيقة واحدة ولا خيار فيها: غزة محاصرة، وغزة ممنوع عليها الهواء والماء، وغزة بحاجة لدواء، وغزة بحاجة لعمار ومطار وميناء بحري، وحاجتها الأولى أن تظل الكرامة بابها الرئيسي إلى ذاتها .. ولا يهم الدمار، سيتم تعميره، لكنه يظل أحلى من وجوه بعض العرب الصفراء التي تدلت منها يقظة الغدر وصورة الحقد والبغض، لا لسبب إلا لأنها تقاتل الهدف الإسرائيلي ومشروعه وأبعاده ومراميه وأحلامه.
ليست غزة على استعجال، الوقت لصالحها، ترميم الموت بالموت شهادة وطنية، لقد لبست الأكفان، ظاهرة عشق للحياة وما بعدها .. إنها لحظات سمو يرددها أطفال وآخرون لم يولدوا بعد، يقولها شهداء لم يستشهدوا بعد، ترددها أفواه نسوة لم يحملن نعوش أبنائهن إلى لحظة الآخرة. عالم غزة يبلور أعمق ما ستنتجه الإنسانية، حياة مختلفة وجديدة، قهرا لكل اعتقاد، وخوف، وتردد، واضطراب، وقلق.
فوق أطلال غزة صناعة لن تتعلمها عين بعض العربي المغتاظة .. لا يهم فعل الغربي، سننسى أنه من ولد إسرائيل ومن أعطاها الاستمرار ومن يغذيها اليوم وغدا، لكن هذا البعض العربي إهانة لنا جميعا، للحق والعدالة إن وجدت.
تنتصر غزة، لأنها خرجت على كل مألوف، وتنتصر أيضا وأيضا لأن عالمها تترجمه بما يفاجئ، لكنه حقيقتها.