[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
مع التداعي اللافت في منظومة الإرهاب المركبة من تنظيمي "داعش والنصرة" وسائر التنظيمات الإرهابية في الجنوب السوري، والمدعومة بما يوصف بأقوى وأخبر أجهزة الاستخبارات العالمية والإقليمية، وبمختلف أسلحة الفتك والقتل، كانت الأعين والعقول المخططة والمراهنة على هذه المنظومة تترقب هذا التداعي بصورة لافتة، فلم يجد أصحابها هذه المرة تعبيرًا أقرب إلى العرقلة والتشتيت والتشويه والتحريض ـ كما في كل مرة ـ وإرباك الجيش العربي السوري عن مواصلة إنجازاته الميدانية، إلا باستهداف المدنيين في مدينة البوكمال، وكذلك استهداف مطار التيفور من قبل الطيران الحربي التابع لكيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يعد الطرف الأصيل في مخطط تدمير سوريا.
الاعتداءان اللذان شنهما الطيران الحربي للتحالف الستيني بقيادة الولايات المتحدة على مدينة البوكمال، والطيران الحربي الإسرائيلي على مطار التيفور تزامَنَا مع العملية العسكرية التي ينفذها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في جنوب سوريا، وتحديدًا في محافظات درعا والسويداء والجولان، والتي أسفرت عن إنجازات ميدانية واضحة، وانهيارات في صفوف المنظومة الإرهابية التكفيرية بصورة لافتة، أعطت للانتصار المتحقق سرعة أكبر عن غيرها من العمليات العسكرية الميدانية، الأمر الذي ـ دون شك ـ له ارتداداته العسكرية والنفسية وعلى مخطط تدمير سوريا إجمالًا، وما يعكس هذه الحقيقة ليس الاعتداءان وحدهما، وإنما أيضًا الرحلات المكوكية المتوالية التي يقوم بها بنيامين نتنياهو رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي إلى موسكو ولقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
إن ما يجب أن يفهمه كل متابع للأحداث في سوريا، وخصوصًا ما يتعلق بتحرك الجيش العربي السوري نحو الجنوب السوري لتطهير مناطقه الملوثة بالفكر الإرهابي التكفيري، وإعادتها إلى حضن الوطن السوري الأُم، وتخليص سكان تلك المناطق من هذا الشر الإرهابي المستطير، هو أن ما يبديه كيان الاحتلال الإسرائيلي وقادته من دعايات وافتراءات وهواجس مغلوطة غير مبرر على الإطلاق؛ لأن ما يقوم به الجيش العربي السوري هو من صميم واجبه الوطني المقدس، بالدفاع عن حياض سوريا وصون ترابها وسيادتها واستقلالها، وبالتالي فإن هذا العمل الوطني يجب أن لا يثير أي حفيظة لدى أي أحد وتحديدًا كيان الاحتلال الإسرائيلي، فما يزعمه كيان الاحتلال الإسرائيلي وما يختلقه من افتراءات وأكاذيب، ويبديه من وساوس شيطانية يهدف في الأساس إلى الإبقاء على الوضع القائم الموبوء بالإرهاب والملوث بوجود التنظيمات الإرهابية التي تواليه والتي أنتجها وحلفاؤه وعملاؤه وشغَّلوها لتكون طابورًا خامسًا وتؤدي وظيفتين؛ الأولى تتمثل في إقامة هذه التنظيمات الإرهابية "النصرة وداعش ومن معهما" سياجًا أمنيًّا لحماية كيان الاحتلال الإسرائيلي من جهة جنوب سوريا، ليتفرغ لمواصلة إبادة الشعب الفلسطيني ونهب حقوقه وتصفية قضيته، تهيئة لتنفيذ مضامين ما يسمى بـ"صفقة القرن". أما الوظيفة الثانية فهي مواجهة الجيش العربي السوري وحلفائه واستنزافهم، واستنزاف إمكانات وقدرات الدولة السورية، ومواصلة العبث والفساد والتدمير والقتل. وهذا لم يتحقق حتى الآن وفق المخطط الإسرائيلي، سواء في سوريا عامة أو في جنوبها خاصة، بل إن حبل المشنقة للجيش العربي السوري يقترب رويدًا رويدًا من بقايا المنظومة الإرهابية التكفيرية في القنيطرة بالجولان السوري المحتل، وهو ما سيترتب عليه تغيير جذري في تلك المنطقة، يصب في صالح الدولة السورية، لذلك استهداف المدنيين لن يغير من معادلة الانتصار وخطة تطهير سوريا من الوجود الإرهابي والأجنبي المتلفع بأحبولة محاربة "داعش" وأكذوبة "دعم الشعب السوري ومساعدته".
إن إعلان كيان الاحتلال الإسرائيلي الاستعداد للعودة إلى العمل باتفاق فك الاشتباك الموقع عام 1974 يعطي مؤشرًا على أن كل الرهانات التي بناها الكيان المحتل من خلال ما أنتجه من تنظيمات إرهابية وسانده فيه الحلفاء والعملاء لقلب موازين المنطقة وانطلاقًا من سوريا هي رهانات خاسرة، وآخذة في الارتداد عليه. وعودته إلى الحديث عن العمل بفك الاشتباك، أو الترويج للقبول بانتشار الجيش العربي السوري في الجنوب مقابل انسحاب ما يزعمه من قوات إيرانية وقوات تابعة لحزب الله من الجنوب، أو ابتعاد هذه القوات عن الحدود السورية المحتلة من جهة الجولان بعمق يتراوح بين 25 و40 كيلومترًا تعني تنازلًا قابلًا للتدرج إلى أخفض سقوفه، وفي جوهره اعتراف واضح بقوة الجيش العربي السوري وقدرته على كسب أي معركة يخوضها، وبالتالي لا بد من حساب أي معركة قادمة حسابًا دقيقًا وعقلانيًّا. ويقيني أن كيان الاحتلال الإسرائيلي ـ لا سيما بعدما رجع رئيس حكومته بنيامين نتنياهو بخفي حنين من موسكو ـ سيدخل مرحلة التفكير الجدي ومراجعة مواقفه العدوانية ضد سوريا، وسيبدأ بعَض الأصابع، إن لم يكن قد بدأ فعلًا، وهو يستشعر حجم الحماقة التي ارتكبها ومن معه بحق سوريا، خصوصًا وأنه يعلم أنه غير قادر على فتح معركة مع سوريا من المؤكد أن دائرتها ستتسع، وأن الولايات المتحدة غير مستعدة للدخول في حروب مباشرة، في الوقت الذي يعمل فيه الرئيس الحالي دونالد ترامب على شعار "أميركا أولًا" بإعادتها قوة اقتصادية وعسكرية وترميم انهياراتها في هذا الجانب، على أمل أن تعود كما كانت قبل خوضها حربي أفغانستان والعراق.

[email protected]