[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
رغم قناعتنا أن ما يسمى بـ"العملية السياسية" في العراق قد ولدت في العام 2003 خاوية جوفاء، وتأكيدنا طيلة السنوات العجاف على أن خطورتها تزداد يوما بعد آخر، وهذا ما أثبتته الأيام خاصة أننا في مخرجات هذه الكارثة ولم نعد في بداياتها، إلا أن جميع المعطيات على هذا الصعيد تؤكد إسقاط "الرمزية" الكالحة للعملية السياسية في هذا البلد. ولم يعد لها أي وجود لولا التسلط الأمني وما تريده أميركا ودول أخرى لخدمة مصالحها على حساب حاضر ومستقبل أبناء العراق.
إذا بدأنا من المظاهرات الواسعة التي اجتاحت العديد من المدن العراقية انطلاقا من البصرة في أقصى جنوب العراق، مرورا بالعمارة والناصرية والديوانية والنجف وكربلاء وبابل وصولا إلى بغداد، سنجد أن الصورة في غاية الوضوح، إذ يستشيط العراقيون في كل بقعة من البلاد غضبا على الطبقة السياسية المتحكمة والمتسلطة، فعلى صعيد الشعارات والهتافات وقبل ذلك الممارسات أخرج العراقيون ما بدواخلهم من حقد وغضب تراكم على مدى عقد ونصف العقد، هذه السنوات المرعبة في حياة العراقيين، التي حصلت خلالها أبشع أنواع الانتهاكات والجرائم الحكومية بحق الشعب العراقي في جميع مدنه وقصباته وبدون استثناء، فهناك السجون السرية التي يتم فيها تغييب العراقيين والعراقيات دون أن يعرف أهلهم وذووهم سبيلا لمعرفة مصيرهم، وتتسرب الكثير من قصص التعذيب الوحشي الذي تمارسه الأجهزة الأمنية الحكومية بحق الأبرياء الذين يتم اقتيادهم من جميع مناطق العراق، وهناك الكثير من هؤلاء الذين قضوا تحت التعذيب، ولا أحد يعرف أعداد المعتقلين المعذبين في بلاد الرافدين، لكن الأعداد بمئات الآلاف، أما الذين يقبعون في السجون العلنية فإن حالهم ليس بأفضل من نزلاء السجون السرية، إذ يضاف إلى بشاعة التعذيب وقاحة الابتزاز الذي لم يتوقف لسنوات طويلة، وفي المحصلة يعيش العراقيون أوسع وأكبر انتهاكات عبر التاريخ.
وفي ثنايا الصورة تبرز سرقات الأحزاب الحاكمة، التي لم يشهد العالم لها مثيلا على الإطلاق، إذ يقدر المختصون مجموع الأموال التي دخلت ميزانية البلد حتى أواخر العام 2016 بما يزيد عن الألف وخمسمئة مليار دولار، في حين مجموع واردات العراق من تصدير النفط منذ بداية اكتشافه أواخر عشرينيات القرن الماضي (القرن العشرين) بلغت 295 مليار دولار حتى عام الاحتلال الأسود 2003، وفي الوقت الذي تضخمت جيوب وبنوك الطبقة السياسية لم يحصل العراقيون على أي شيء، لا أمن ولا تعليم ولا طرق ولا صحة، أما أعداد اللاجئين في الخارج والنازحين في الداخل فقد سجل أعلى الأرقام في العالم.
وفي حال أردنا البحث في جوانب وزوايا المشهد العراقي فإن القائمة ستطول جدا، ولن تتوقف من حجم الخراب والتخريب الذي يعيشه العراق من جراء تسلط الطبقة السياسية التي جاء بها المحتل الأميركي، هذه الطبقة التي احتمت بما أطلقوا عليه "دستور 2005"، الذي ينطوي على مختلف أنواع المعاول والقنابل الموقوتة، وإذا ظهرت بعض من جوانب اخطار هذا الدستور، فإن استمراره ووجود أدواته من الأحزاب وما يسمى بـ"السياسيين" سيصل بالبلاد إلى الهاوية والشعب إلى الكوارث.
لقد سقطت جميع أقنعة العملية "السياسية" في العراق، وهذه حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها على الإطلاق.