تمثل البيئة واحدة من أهم العوامل المحيطة التي تؤثر على الفنان وتعزز مدركاته الحسية بشكل أو بآخر ذلك أنها تشكل مصدراً ملهما لإبداعاته الفنية ، فهي تدعم وتعزز أفكاره سواء بما تزدان به من جمال أوجده الله في طبيعتها أو بما تحمله من تاريخ وقيم ومعان ترسخت في ذهن الفنان وحفرت في وجدانه جليل الأثر ، فبات معبراً عن مجملها ودقائق تفاصيلها كالعاشق الولهان، معتمداَ في بنيته التشكيلية على التحوير والإضافة لإعطائها روحاً أخرى مصدرها إحساسه الداخلي ، فالطبيعة هي المنبع الروحي للقواعد في الفن وأيضاً هي نهر الإحساس الدفاق، وعلاقة الإنسان ببيئته أو بالمكان الذي يعيش فيه تجسد في أبسط صورها أنموذجا فريدا للانتماء إلى الطبيعة المألوفة لدينا، ويتمثل هذا في تطبعنا ببعض مظاهر الطبيعة الموجودة والمتشكلة في البيئة وهذا يُعد مضموناً فنياً وجوهرياً للفنان، إضافة إلى أنه تعبير عن علاقة البشر ببعضهم البعض في مكان يصبح جزءاً من العلاقة بالموروث الحضاري للإنسان. وتشكل البيئة بمفهومها الطبيعي أو الجغرافي أساسا في تمييز الفنون حيث تأكد بالفعل تأثير عوامل البيئة والمناخ في ذوق الشعوب وإبداعاتها. وأقيس على كل ما أشرت إليه آنفاً ما اختلج في باطن فنان هذا الأسبوع المتميز بغزارة عطائه الفني عبدالمجيد كاروه لنلمس عن قرب حالة التجلي النفسية أولاً والفنية ثانياً في تجربة الثرية المليئة بالأعمال المسندية، فلطالما تغنى هذا الفنان بمدينة مطرح وما تحويها من آثار كالمساجد والقلاع والمنازل القديمة ويدخل فيها أبوابها ونوافذها وبنائها المعماري المميز وبحرها ومينائها وسفنها القديمة والحديثة وسوقها التراثي وجبالها وهوائها وحركة البشر التي لا تهدأ وأصوات السفن والقوارب كل ذلك يكفي أن يحرك إبداع هذا الفنان الذي عاش وترعرع في هذه المدينة الساحرة وامتزجت روحه بجسده في كل ما ذكرناه من تفاصيلها، وأصبح الانتماء إليها هو القائد والمحرك للكثير من ممارساته الفنية ومرجعاً للإبداع عنده ، ومن خلال تأملنا لهذا العمل الذي اخترته من السلسلة الطويلة لأعمال هذا الفنان نستشعر روعة المكان وهدوء تفاصيله واتساع فضائه واحتضان سماء هذه المدينة الوادعة لبحرها الرقراق في زرقة سماوية مهيبة سكنت روح وعقل وعواطف (كاروه)، ونلمس نسق الإتكاء على اسلوب الرسم بالسكين الذي تميز به هذا الفنان بين أقرانه مقدماً لنا مفاهيمه الخاصة في إفصاحاته اللونية والتعبيرية بإتجاه تعميق البحث في كل ما أثار الفنان في حياته من مشاهد ليسجلها دون تردد بما تهيأ له من تقنية فنية وأدوات تشكيلية، فالطبيعة عندنا في عُمان لها سحرها وجمالها الممتاز باللون والصفاء وزهو الضياء ، فإذا بالمشهد الواحد يقدم لنا لوحة منمقة بألطف الألوان وأبهى الأنوار وكتاب ناصع الصفحات يشع بالحلو الرقيق من الجمال والبهاء. نعم إن العناية الإلهية منحت بلادنا طبيعة جميلة ، كلها لون وكلها ضوء، يغبطنا عليها الغريب الذي يزورها فلا يتمالك من أن يقف مبهوراً بجمالها، ولكننا قلما نتذوق هذا الجمال وننعم بروعة هذه الألوان، فهذه وقفة من هذا الفنان لنا جميعاً لنستشعر الجمال ونتلذذ بروعة الألوان والضياء عبر هذه المدينة العمانية الساحرة الجميلة.

عبدالكريم الميمني
[email protected]