[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/haithamalaidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]هيثم العايدي[/author]
إذا كان الانسحاب الفرنسي قد مثل الهزة الأكبر في الحلف فإنه بأي حال من الأحوال لا يوازي ما تردد في القمة الأخيرة التي اختتمت قبل أيام في بروكسل من تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الحلف ما لم تعمل الدول الأعضاء على زيادة مساهاتها في النفقات الدفاعية للحلف.

في زيارة نظمها حلف شمال الأطلسي (الناتو) لمجموعة من الصحفيين العرب في عام 2008 كان أبلغ التشبيهات التي ساقها أحد الزملاء في النقاشات مع مسؤولي الحلف هي قوله إن حلف الناتو يسير على ساقين؛ إحداهما بالغة الطول تمثل الولايات المتحدة، والثانية قصيرة تمثل بقية الدول الأعضاء، حيث إنه لم يخطر على بال أحد أنه بعد نحو 10 سنوات من هذه الزيارة تأتي الساق الكبرى لتسأم هذا الدور وتطلب المساواة مع الساق الأخرى.
فمنذ تأسيس حلف الناتو عام 1949 لمواجهة الاتحاد السوفيتي آنذاك، ومن المعروف أن الحلف ما هو إلا مجموعة من الدول التي تدور في فلك الولايات المتحدة باعتبارها هي القوة القادرة على حماية أوروبا التي أنهكتها الحرب العالمية الأولى، حتى أن أكبر الهزات التي تعرض لها الحلف والمتمثلة في انسحاب فرنسا جاءت اعتراضا على الهيمنة الأميركية على الحلف، وذلك حينما بعث الرئيس شارل ديجول مذكرة إلى الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور ورئيس الوزراء البريطاني أرولد ماكميلان في 17 سبتمبر 1958، دعا إلى إنشاء مديرية ثلاثية الأبعاد تضع فرنسا على قدم المساواة مع الولايات المتحدة وبريطانيا. سحبت بعدها فرنسا أسطولها من قيادة الحلف، وحظرت في وقت لاحق وضع أسلحة نووية أجنبية على الأراضي الفرنسية، كما قامت الولايات المتحدة بنقل 200 طائرة عسكرية من فرنسا ثم أعلنت فرنسا عودتها للمشاركة الكاملة في قمة ستراسبورج ـ كيهل عام 2009.
وإذا كان الانسحاب الفرنسي قد مثل الهزة الأكبر في الحلف فإنه بأي حال من الأحوال لا يوازي ما تردد في القمة الأخيرة التي اختتمت قبل أيام في بروكسل من تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الحلف ما لم تعمل الدول الأعضاء على زيادة مساهاتها في النفقات الدفاعية للحلف.
فقبل البيان الختامي الذي تبنى قادة الحلف فيه التزام الدول الأعضاء بزيادة النفقات الدفاعية لتصبح 2% من الناتج المحلي على الأقل بحلول عام 2024 كان الرئيس الأميركي قد حث أعضاء (الناتو) على مضاعفة الإنفاق العسكري سنويا من 2 بالمئة إلى 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وأكد البيت الأبيض أن ترامب أدلى بتصريحاته المتعلقة بزيادة الإنفاق العسكري لدول الناتو خلال قمة التحالف التي شهدت أيضا انتقادات حادة من الرئيس الأميركي لألمانيا بسبب معدلات إنفاقها الدفاعي.
وفي تغريدات على "تويتر" نشرها حساب الرئيس الأميركي خلال وجوده في بروكسل قال ترامب "تدفع الولايات المتحدة عشرات المليارات من الدولارات، بحيث لا تستطيع دعم أوروبا، كما أنها تفقد كثيرا في التجارة".
كما اتهم في وقت سابق ألمانيا بأنها أصبحت رهينة لروسيا بسبب واردات الطاقة، مدعيا أن موسكو "تسيطر عليها تماما".
وبحسب البيانات الواردة في التقارير الصحفية فإن خمس دول فقط، من إجمالي 29 دولة عضوا في الناتو، حققت المستهدف هذا العام ورفعت إنفاقها الدفاعي، وهي الولايات المتحدة واليونان وإستونيا وبريطانيا ولاتفيا.
وإذا كان البيان الصادر عن الدول الأعضاء تجاهل طلب الرئيس الأميركي بزيادة النفقات الدفاعية لتصبح 4% حيث حدد النسبة بـ2% فإنه يبدو أن هذا الرقم مرضٍ للرئيس الأميركي الذي قال في تصريحات من لندن التي توجه إليها بعيد قمة بروكسل إن هذه القمة كانت مثمرة حقا، مشيرا إلى أن الأجواء في بداية اجتماعات قمة الناتو كانت متوترة، "لكن في نهاية المطاف اتفق الجميع على القيام بما يجب عليهم فعله، بما تعهدوا به". وأضاف: "أعتقد أننا غادرنا القمة كفريق أكثر تماسكا مما كنا عليه أبدا".
فمن الواضح أن قمة بروكسل شهدت نجاحا جديدا لنهج ترامب القاضي بإحداث الصدمة ومن ثم التفاوض وإنجاز الصفقة.

[email protected]