أحد الأقارب لدى زيارته لنا، قال لابنته ذات الأربع سنوات مازحًا: سنترك أختك (ذات الـ6 أشهر) معهم في بيتهم. غضبت البنت وهمت بالبكاء حتى ضربت أبيها. فقال لها : ستنام معهم الليلة فقط وسيحضرونها غدًا. وبقت تبكي إلى أن حملها معه (الصغيرة) فطمأن قلب الكبيرة.

في إحدى مذكرات الدكتور مبارك بن سيف الهاشمي رحمة الله عليه يذكر قصة جميلة: كان الأب مرافقًا أحد أطفاله للعب في إحدى المنتزهات. بدأ الطفل باللعب واللهو بحرية متنقلًا بين لعبة وأخرى. وفي نهاية النزهة قال الطفل لأبيه : أبي أشتري لي أرجوحة مثل هذه لبيتنا. فقال الأب هذا المنتزه عام وسنأتي إلى هنا كلما أردنا. الطفل : لا، فأنا أريد واحدة لي لوحدي.

في المدرسة كنا نقيم احتفالًا في نهاية كل عام دراسي احتفاءا وتعلقًا بالزملاء والمعلمين. حيث إن مشاعر الحزن الوداعية تطغى على فرحتنا ربما. فلازمنا هذا الشعور حتى إلى ما بعد المدرسة فكثرت حفلات الوداع معنا.

صديقي باع سيارته بعد رفقة طالت معه إلى العشر سنوات. فأصبح كلما يراها في الشارع يقودها غيره يقول : "ما تهوني مع غيري". أما صديقي الآخر سيحتفظ بهاتفه (النوكيا - الشارون) في صندوق زجاجي إجلالًا وتقديرًا لخدمته الطويلة في ظل استخدامه الميمون له. كما انتقل جارنا إلى بيته الجديد في مسقط؛ فرفض بيع بيته القديم لأن القلب يحن إليه.

إلى هنا نستنتج أن التعلق بالأشياء والموجودات ثقافة أو غريزة إنسانية لدى البشر. كما أن حب التملك مقرون بغريزة التعلق. والغريب في أننا نتعلق بالأشياء والموجودات والأشخاص وحتى التراث تعلقًا عجيبًا حتى وإن كان ذلك سيكلفنا أثمان باهظة أو خسائر كبيرة.

البعض منا يتعلق بعمله أو نشاطه لأنه يخشى أن يفقد زملاءه هناك، ويظن بأنه لن يجد غيرهم في مكان آخر. أما الكراسي والمناصب فالتعلق بها شديد لأنها ذات سلطة ومال.

الخوف من القادم المجهول قد يكون سببًا رئيسًا يجعلنا نتعلق بالأشياء فنخشى فقدانها؛ لأننا نعتقد بأنها أجمل الموجودات. ولا عيب أبدًا من أن نتعلق بكل ما يشعرنا بالحب والطمأنينة ولكن الحذر من أن يكون ذلك التعلق عائقًا على تقدمنا، أو مخلًا بعطاءاتنا. وهنا أتذكر قصة أبو طلحة عندما قال : يا رسول الله، إن الله تبارك وتعالى يقول : ﴿لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون﴾ وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فالصدقة هي تمرين لترويض النفس للسيطرة على رغباتها في حب التملك والتعلق.
در كرسيك ثم غادر فالقادم أجمل .

أيوب بن صالح الشعيلي
[email protected]