محافظة الوسطى .. سماء الشعر على الأرض!!أيها القارئ العزيز، في هذا العدد سنعود بك إلى أرض البدو الكرماء، أرض الشعر الأصيل، سنعود لتقفّي أثر الشعر الجميل على رملة الوادي الناعمة، سنعود إلى ولاية "الجازر" بمحافظة الوسطى. لنحتفي بشعراء شكلتهم البيئة فشكلوا ألوانها وحددوا ظلالها. شعراء كتبوا للحياة والحب والطبيعة بعفوية الإنسان وعظمة الموهبة..مقدمةكنّا قد نشرنا سابقا تفاصيل رحلتنا الشعرية في محافظة الوسطى، وقد نشرنا لقاءات مختلفة مع شعراء المحافظة كما نشرنا لقاءات أخرى مع رواة حكوا لنا قصائد توثّق لأول مرة كونها لشعراء رحلوا عنّا، ومن يرغب متابعة تلك اللقاءات فسيجدها عبر الشبكة الالكترونية محفوظة في أرشيف جريدة "الوطن ملحق أشرعة".. وفي هذا العدد سنتابع سرد ذاكرة الأرض الطيبة، مستنطقين ظل الأشجار الوارفة بالشعر الأصيل.. شعر الحكمة العميق والغزل الأنيق. سنتوقف مع الشاعر غاسي بن مسلم بن متوّه الجنيبي الذي أتحفنا بمجموعة من قصائده الجميلة الآسرة وكنّا قد ألتقيناه في رحلتنا للمحافظة..البادية في نبض شعرائهايتميّز شعراء محافظة الوسطى بالوصف الدقيق، فقصائدهم تحاكي الحياة التي يعيشون، والشاعر غاسي بن مسلم الجنيبي واحد من أعذب الشعراء وأروعهم، فهو مبهر بأسلوبه ومشوّق بلغته الشعرية، ولعل الأبيات التي سنذكرها خير ما نستدل به على موهبة الشاعر الأصيلة التي صقلتها حياة مليئة بالتجارب والمعرفة. يصف لنا الشاعر في قصيدته القادمة لحظات الفراق ولوعة الشوق والوجد، يلتقط مشاهد من اتجاهات وأبعاد شتّى، يجمعها نمط حياة عامرة بالرحيل والحب والشعر:يا وجد قلبي على اللي ساكنين البرويا ويح قلبي اذا ما هم بزيارهويا همل دمعي عليهم يوم باتِنْثِرعينٍ على شوفهم ما تكون عذّارهشل (النصخ)(1) من مكانه وْجرّه جروأثنى بسكينٍ على حيله وبارهلي من تبسّم على ثغره يبين الدروالصدر ميدان طيّارٍ بطيّارهوإذا تخطّف هشيم العشب له يثمركنّه مزونٍ تساكب من طرف دارهسلامي عليه باعداد شرتٍ عليّه مرأحبّه محبّة حيل ما فيّه عبارهغيورٍ عليه اغتار م الشيل يوم ( ايتر)(2)وأموت م الغيره إذا يزقره جارهأعض صبعي اليمين ومرّه الأيسروأعوّذ من الشيطان وارميه بحجارهأنا دليل البعد وأعرف وين يقرترى على بعدهم نزله ومظهارهفوق الذي م الوكاله مطلّع حروابساحة (الطبلون) منتشره اصفارهيفرح به اللي على النيّه معزّم بروإتذكّر الخل إللي من ( ميل) (3) ما زارههكذا يوثق الشاعر البدوي تاريخه المتشبث بالأرض، إن كل قصيدة هي في الحقيقية صورة فوتوغرافية للمكان، وهي بلا شك رؤية صادقة للزمان المتجسّد في تلويحة شمس شارقة من خلف أشجار السمر الباسمة، أو شمس غاربة من خلف التلال والسيوح الفسيحة. في القصيدة القادمة سنسافر بين الشروق والغروب مع شاعر يجيد اقتناص الدهشة :البارحه هاجوس قلبي سرى بهفي حندسٍ ظلمى وشيكه وهيبهوأزهى بفكرٍ م الخيال ومشى بهعنّاه وأنحى به لديرة حبيبهديرة ربوعٍ ساكنين الهضابهفي مهمهٍ ند النقايا وكيبهأحوالهم منها الفكر والغرابهوأشكالهم فيها مزايا غريبهللضيف تقدير وبشاشة رحابهفرحين تلقاهم شبابٍ وشيبهربعٍ خذوني مثل وخذ النهابهكأنها كتابتهم عليّه جليبهكل يوم بنحايل جداهم طلابهما تردني عنهم سيوف الحريبهكلٍّ عطاني من نصايح مجابهواللي نصحني ما استمع له وجيبهغامرت له كنِّي عليّه حرابهحظّ أبايع به ( وشنص)(4) أشتري بهودفعت مضنون الوفا للقرابههديةٍ لأهل الصدور الرحيبهحسّبت جوي خاليٍ م الرقابهولي خل في شؤْني إلهي حسيبهوقلبٍ على الزينات شوقه رمى بهآذيت مِنْه ولا النصايح تجيبهأنا وقلبي كل يوم بْحرابهسيفٍ أدافع به وترس أتقي بهالشعر هو فطرة البدوجيل بعد جيل، يزهر الشعر من سدر البدو الأخضر، لكل شاعر حكايته الخاصة، غير أن بعض الحكايات هي سيرة تُروى بين الأجيال. إن إبن الشاعر هو شاعر بالفطرة!!، وليس من الغريب أن نجد عائلة كل أفرادها يقولون الشعر، فللشعر جيناته الوراثية التي تنتقل بين الأجيال، لنتعرف كيف استطاع الشاعر الشاب استفزاز والده ليكتب قصيدة رائعة، فقد كتب صقر بن غاسي أبياتا بغاية معرفة رد والده، ونحن نختار من قصيدة صقر هذه الأبيات الجميلة :يا والدي سرّح وأنا صوبكم منعوتمنعوت في خير لا فرقا ولا تشتيتولا تحط شكواي في سردابها مكبوتمن أكبر أقول اه يا ليتني يا ليتمن راس مارب على الغيظه على صيحوتوالسند والهند واضع محوره تفتيتجاء رد الوالد مغلفا بالحكمة العميقة والموعظة المهيبة، ولعل البيت الأخير هو روح الفلسفة وعظمتها:شعرك لفاني وحبيته بكل وقوتعد ساعات الدقايق على التوقيتصون المراجل وزيّنها بلبس بشوتوالبس بها تاج من حلّه ومن جاكيتعوايد الفكر عندك ما غدا مشتوتلنك بحكمه وضعته موضع ٍ تثبيتعوايدك بصوايد قبضتك ما اتفوتوتعز نفسك عن الدنوات واعتزّيتفي أول الدهر يا صقر البيوت بيوتوفي آخر الوقت بتشوف البيوت بويتخاتمةهكذا هي عمان، منبت الحضارة والمجد والشعر الخالد، سنقتفي أثر كل شاعر تصادفه أسماعنا أو أبصارنا، سنسافر خلف هَبوب الذاكرة علّنا نَفِي هذا البلد العظيم حقّه علينا.. في العدد القادم سنواصل سرد ذاكرة محافظة الوسطى، أرض الشعر الأصيل..الهوامش:(1)- النصخ أي النَفَس..(2) أيتر، بمعنى تسحب، والمعنى شال المرأة حينما ينسحب من على الرأس..(3) ميل، تقال بمعنى زمن وعمر ، من ميل أي من زمن ...(4) شنص، كلمة معربة chance)) وتعني حظ.. حمد الخروصي twitter: @hamed_alkharusi