[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]
إن انطلاق شرارة الاحتجاجات الشعبية من البصرة، وامتداد رقعتها إلى مدن كربلاء والنجف وذي قار وبابل والمثنى والعمارة وواسط، تشير إلى عمق الأزمة السياسية التي يشهدها العراق، خصوصا أن الغضب الشعبي انطلق من معاقل الأحزاب المتنفذة التي تحكم العراق منذ عام 2003 وفشلها في تلبية حاجات وتطلعات العراقيين في الأمن الخدمات الضرورية كحق مشروع.

وضعت الاحتجاجات الشعبية الطبقة السياسية أمام مشهد جديد عكس عمق وخطورة أزمات العراق، وفشل القائمين على إدارة شؤونه منذ عام 2003 وحتى الآن في تلبية الحاجات الأساسية للعراقيين، وخصوصا الكهرباء والماء، ومحاربة الفساد، وتوفير فرص العمل للعاطلين.
هذه المطالب التي رفعها المتظاهرون هي مطالب مشروعة، وغير قابلة للمساومة وحتى التأجيل؛ لأنها تقع في صلب عمل وبرنامج أية حكومة تتولى إدارة العراق، ناهيك عن تراكم هذه الأزمات، الأمر الذي فجر حركة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في عقر دار الأحزاب المتنفذة التي تحكم العراق.
وتوقيت التظاهرات جاء في وقت حرج، مع انتظار النتائج النهائية لعملية العد والفرز اليدوي الجزئية لصناديق اقتراع انتخابات أيار ـ مايو الماضي قبل التمكن من تشكيل حكومة جديدة.
ولم تكن حركة الاحتجاجات الشعبية مفاجأة، وإنما سبقها مقاطعة العراقيين للانتخابات كعقوبة للطبقة الحاكمة من خلال الإحجام الكبير عن التصويت في الانتخابات التشريعية التي شهدها العراق مؤخرا.
وكانت الانتخابات، وهي الرابعة منذ احتلال العراق، قد شهدت أدنى نسبة مشاركة منذ 15 عاما، ورافقتها شبهات واسعة بمحاولات تزوير وتلاعب في الأصوات.
وسلّط الغليان الشعبي الضوء على أداء رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي يسعى لولاية ثانية، ما وضعه في دائرة المساءلة من خصوم يتربصون به، لا سيما اندلاع الاحتجاجات بتوقيت قد لا يخدمه في سعيه للفوز بالمنصب مرة ثانية.
وفي موقف يعكس غضب المحتجين إزاء دور السياسيين، حيث هاجموا مقار مختلف الأحزاب السياسية في كل المحافظات الجنوبية، حيث أحرقوا بعضها أو أنزلوا صورا علقها السياسيون أنفسهم.
وفي إجراء لاحتواء الأزمة، كلف رئيس الوزراء حيدر العبادي لجنة من ستة وزراء يرأسها وزير النفط جبار اللعيبي. ووعدت اللجنة بتوفير فرص عمل للذين يعيشون في المناطق المحيطة بآبار النفط، وإعلانها تخصيصات لمشاريع طارئة، وبالأخص مشاريع المياه والكهرباء. غير أن الانطباع السائد أن اللجنة ستنتهي مهمتها بعد تراجع حدة الاحتجاجات الشعبية من دون أن يتحقق أي من مطالب المتظاهرين.
وفي معرض تبرير استخدام القوة المفرطة ضد المحتجين، اتهم رئيس الوزراء حيدر العبادي ـ بعد سلسلة اجتماعات مع الوزراء والمسؤولين الأمنيين ـ أشخاصا مخربين يستغلون مطالب المواطنين لإحداث ضرر بممتلكات الشعب، وإخراج التظاهرات عن سياقاتها بحرق بنايات مؤسسات الدولة وقطع الشوارع، والاعتداء على القوات الأمنية، ما يمثل محاولة لإرجاع البلد إلى الوراء، فهناك جهات من الجريمة المنظمة تهيّئ لإحداث حالة فوضى.
إن انطلاق شرارة الاحتجاجات الشعبية من البصرة، وامتداد رقعتها إلى مدن كربلاء والنجف وذي قار وبابل والمثنى والعمارة وواسط، تشير إلى عمق الأزمة السياسية التي يشهدها العراق، خصوصا أن الغضب الشعبي انطلق من معاقل الأحزاب المتنفذة التي تحكم العراق منذ عام 2003 وفشلها في تلبية حاجات وتطلعات العراقيين في الأمن الخدمات الضرورية كحق مشروع.
كما كشفت التظاهرات هشاشة النظام السياسي وفشله في إدارة الحكم، وتبديده ثروات العراق، والتستر على السراق والفاسدين وإدخال البلاد في أزمات تتراكم يوما بعد يوم، حتى وصلت إلى حد لا يمكن القبول به شعبيا، ما أدى إلى اندلاع الاحتجاجات الشعبية كرد فعل طبيعي رافض لأداء الطبقة السياسية، وابتعادها عن هموم الجمهور الذي انخدع بشعاراتهم التي أوصلت العراق إلى المأزق الذي يتخبط به من دون أمل بالخروج منه.