بعد أربعة وثلاثين يوما من العدوان الإسرائيلي على غزة، يبدو الخيار الغزاوي كأنه بدأ البارحة: تصميم وإصرار وفائض في التضحية ومنازلة واستعداد في كل لحظة للاصطدام بالعدو الإسرائيلي، لكن الأيام التي مرت على غزة وما زالت، حفرت عميقا في بالنا وبال أبناء غزة جرحا عميقا يصعب دمله، بعدما اختار بعض العرب ليس الصمت الذي هو جريمة ايضا، بل الوقوف إلى جانب المعتدي وتأييده وحثه على عدوانه.
هذا البعض ما زال أيضا يتآمر على سوريا، ويغدق الأموال على تيارات عدوانية صار لها العديد من الأسماء أبرزها " داعش " على سبيل المثال، خيار هذا العربي كان من باب تضامنه مع القوى الغربية التي عملت على إسقاط سوريا تبعا لمخطط جهنمي اسمه " الربيع العربي " أو هو الأسم السري التخريبي للبنى العربية، بل يحمل أيضا اسمه المعروف به وهو الفوضى الخلاقة التي ما زالت تضرب أرض العرب، وقد جعلت من بعضها هدما للدولة والنظام كما حدث في ليبيا، وفي بعضها الآخر محاولة لتقسيم تلك البلاد كما يجري العمل في العراق، وفي سوريا رغم تجاوز السوريين المرحلة الصعبة، فإن العمل ما زال جاريا على تحطيم ما يمكن من الكيان السوري، وفي لبنان يصدرون له بين الفينة والأخرى ما يحرك عوامل الفتنة فيه، وكذلك الحال في غيره من بلدان العرب التي ما زالت تتربص بها تحت قشرة خفيفة مواجع يصعب ردمها.
كل تلك الإشارات كان لها تشجيع من بعض العرب الذي قدم أوراقه الكاملة من زمن بعيد للصهيوني، والأميركي، وفيها اعتمادات مفتوحة من المال لتغطية أي عدوان على أي جزء عربي من تلك الممانعة أو المقاومة. ولهذا، فإن بعض هذا العربي يشن حربه تلك بواسطة الذراع الإسرائيلية والسلاح الأميركي، وليس غريبا أن تؤكد الوثائق ما نذهب إليه، وقد بتنا نعرف أن من أسس " داعش " على سبيل المثال هو الأميركي كما تقول وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون في كتابها الجديد " الخيارات الصعبة "، وصناعة هذا التنظيم إنما جاءت لتكون إسرائيل الثانية في المنطقة، يمولها بعض العرب. فكيف إذا اعتمدنا المعلومات المأخوذة من مصادرها بأن هذا العرب يغطون كل صغيرة وكبيرة ماليا في عدوان إسرائيل على غزة.
صحيح أن الأمة مرت بمصاعب خلال التاريخ المعاش، لكنها لم تعش بتلك العقلية التآمرية على شعوبها العربية الآخرى مثلما هي حال بعض العرب اليوم الذين لم نسمع لهم تصريحا تجاه غزة، وإذا ما تحدثوا عن العدوان يكون الكلام فضفاضا لا وجود لكلمة عدوان إسرائيلي بتاتا. أليس هذا إشعار بمشاركتهم إسرائيل في عدوانها.
يقينا أننا في الدرك الأسفل من الحالة العربية التي استهان فيها البعض بدم إخوانهم وكأنهم أعداء لسبب بات معروفا، وهو السبب ذاته التي حوربت فيه كل أنفاس قومية حقيقية وكل شخصيات قومية وعروبية.
غير صحيح أن الغرب وحده من يحارب تلك المفاهيم، هنالك عرب شنوا عليها دائما حروبهم وأسقطوها، ويعملون اليوم على إسقاطها، يتكرر التاريخ وتتكرر المشاهد، ولكن السؤال الذي نكرره أيضا إلى متى هذا الاستهتار بالأخوة العربية التي وصلت بهذا البعض إلى عملية إلغاء الشقيق وشطبه تماما من الحياة!.