[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]
ما يزيد من مصاعب وإشكالية أوضاع الكفاءات والنخب العراقية الموجودة في الخارج حرمانهم من حقوقهم المدنية، وخصوصا التقاعدية التي كفلتها القوانين العراقية، الأمر الذي دفع الآلاف منهم إلى العزوف عن تلبية دعوات العودة إلى الوطن من دون ضمانات لحل مشاكلهم.

مسلسل الاستهداف السياسي في العراق متواصل، ومع كل أزمة يأخذ أشكالا جديدة يعكس تصميم القوى التي تقف وراءه وتغذيه بأسباب استمراره؛ تارة بالاعتقال والخطف، وأخرى بالتصفية الجسدية، وثالثة بالتخويف والترهيب، ومن ثم الاجتثاث والإقصاء، الأمر الذي دفع الآلاف من العراقيين ممن يشعرون أنهم مستهدفون إلى مغادرة العراق رغم مخاطر ومصاعب اللجوء إلى الخارج.
وما يشير إلى أن هذا المسلسل لن يتوقف فإن المتنفذين لا يخضعون للمساءلة والملاحقة، وبقوا أحرارا وقيدت جميع عمليات القتل ضد مجهول.
وما جرى خلال التظاهرات الشعبية التي اندلعت من البصرة قبل أكثر من أسبوعين يؤكد أن الاستهداف متواصل للمحتجين، رغم أن تظاهراتهم سلمية ومطلبية، ولا تخرج عن المطالبة بالكهرباء والماء الصالح للشرب، وإيجاد فرص للعاطلين عن العمل. غير أن الذين يقفون حائلا دون إحداث التغيير والإصلاح لا تروق لهم هذه الدعوات؛ لأنها بالمحصلة النهائية ستطولهم.
وأدت محاولات الاستهداف إلى مغادرة موجات كبيرة من العراقيين الوطن بدأت صغيرة واتسعت بعد احتلال العراق.. وحتى نرصد مسارها؛ فمنذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 لم يعرف العراق هجرة أبنائه إلى الخارج، غير أن الأحداث السياسية التي مرت بالعراق خلال العقود التي تلت تأسيس الكيان العراقي دفعت الآلاف من علمائه ونخبه إلى مغادرة العراق، إما بحثا عن فرصة عمل أو تفادي القتل والخطف.
وموجات هجرة العقول العراقية بشتى اختصاصاتها بدأت محدودة خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، حتى اتسعت قليلا خلال الحرب العراقية الإيرانية 1980ـ 1988 مرورا بحرب الخليج الثانية عام 1991 والحصار الذي تلاها.
غير أن أعداد المهجرين من نخب العراق وكفاءاته تصاعدت بشكل لافت حتى بلغ ذروته بعد غزو العراق عام 2003 ولحد الآن.
وسجلت الأعوام التي تلت الغزو وتحديدا خلال فترة العنف الطائفي هجرة الآلاف من نخب العراق تفاديا لاستهدافها، ما دفعها للبحث عن مكان آمن لتفادي الوقوع بالمحظور.
وشهدت تلك السنوات وما أعقبها من تداعيات اغتيال وجرح واختطاف الآلاف من نخب العراق في اختصاصات الطب بكل فروعه وأساتذة الجامعات والعسكريين والدبلوماسيين والإعلاميين ورجال الدين وشيوخ العشائر والنشطاء السياسيين.
وأدى هذا الاستهداف لهذه الشرائح إلى مغادرة العراق إلى دول الجوار العربي وأوروبا وأميركا وكندا وبريطانيا بحثا عن ملاذ آمن ومستقر.
وما يزيد من مصاعب وإشكالية أوضاع الكفاءات والنخب العراقية الموجودة في الخارج حرمانهم من حقوقهم المدنية، وخصوصا التقاعدية التي كفلتها القوانين العراقية، الأمر الذي دفع الآلاف منهم إلى العزوف عن تلبية دعوات العودة إلى الوطن من دون ضمانات لحل مشاكلهم.
وبعد كل الذي يحصل للنخب والناشطين السياسيين، هناك من يدعو النخب والكفاءات بالخارج للعودة إلى العراق من دون أن يدرك حجم المخاطر على حياة العائدين.
إن العودة إذا كانت حقيقية ينبغي أن تكون مأمونة، ومرهونة بقرارات لا تقبل التأويل والتفسير تتزامن مع إلغاء القرارات الاجتثاثية ومنح حقوق العائدين، وقبل ذلك توفير الملاذ الآمن لممارسة دورهم المطلوب. غير أن الراشح على الأرض يشير إلى استحالة تحقيق ذلك؛ بسبب تحول العراق إلى غابة للسلاح وغياب سلطة الدولة وهيمنة السلاح في الشارع، وانفلات أمني لا تستطيع الدولة أن توقفه والحد منه، ناهيك عن أنها قد أصبحت رهينة لاشتراطاته في المجتمع.