ذكر الله تعالى في كتابه العزيز كثيراً من الآيات على لسان بعض خلقه ومنها ما ذكره عن إخوة يوسف لأبيهم (تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ) (يوسف ـ 85) .. فهل هذا التركيب بعينه جاء على ألسنتهم أم هو من عند الله سبحانه؟
الله سبحانه وتعالى حكى في كتابه أقوال الناس على اختلاف لغاتهم، فمنهم العبرانيون والسريانيون وغيرهم تحدثوا بلغات متعددة وبأساليب مختلفة ولكن مع ذلك جمع الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بهذا الأسلوب البليغ وحتى العرب أنفسهم الذين حكى الله عنهم ما حكى، إنما حكاه ما حكاه عنهم بأبلغ أسلوب، فهذه العبارة ليست عبارة إخوة يوسف عليه السلام وما كانت لغتهم العربية، وإنما حكى الله سبحانه وتعالى عنهم ما قالوه في كتابه العزيز.

سماحة الشيخ سؤالي هو عن قوله تعالى:(وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ) (يوسف ـ 111) من الآيات الأخيرة من سورة يوسف، أمثال هذه الآيات كثيرة في الكتاب العزيز، هل يمكننا من هذه الآيات أن نفهم أن جميع العلوم سواء منها الإنسانية أو العلمية موجودة في القرآن الكريم، سواء علمناها ام لم نعلمها؟!
القرآن الكريم لم ينزله الله سبحانه وتعالى ليكون كتاباً علمياً يتناول جانب من جوانب العلوم علم الهندسة مثلاً أو علم الفلك أو علم الأحياء أو علم التاريخ، ما جاء القرآن الكريم لأجل أن يعلم الناس هذه العلوم فإنها علوم تجريبية، هذه العلوم: علم الطب ، علم الهندسة، علم الفلك هذه علوم تتوقف على الدراسة، القرآن وظيفته أخبر الله تعالى عنها بقوله:(هُدىً لِلنَّاسِ) (البقرة ـ 185) هو هدى للناس جاء ليهدي هذه العقول الضالة الشاردة ويردها إلى بارئها، ولكنه يخاطب الفطرة الإنسانية ، وبما أنه يخاطب الفطرة الإنسانية وهذه الفطرة ملتبسة بأحوال الكون فإنه معرض خطابه لهذه الفطرة يوقظها بهذه اللمسات التي يضعها على هذه العلوم المختلفة، يضع هذه اللمسات ليوقظ هذه الفطرة ولا يعني ذلك أن القرآن الكريم علم الهندسة بدقائقه وجزيئاته، ولا لأن يدرسنا علم الطب بدقائقه أو جزيئاته، وقد جعل الله سبحانه وتعالى الكون بأسره مسرحاً لاعتبار الإنسان مسرحاً لنظره، مسرحاً لتفكيره ولذلك يقيم الله سبحانه وتعالى على العبد حججه من خلال هذه الآيات الموجودة في نفسه والموجودة حوله ، أما كون القرآن الكريم فيه تفصيل كل شيء ، فلا يعني ذلك هذه الإحاطة الدقيقة التي قد يبالغ بعض الناس ويزعمون أن القرآن ينطوي عليها جميعا، ولكن فيه تفصيل كل شيء فيما يعني الإنسان ويحتاج إليه .

السائل يسأل عن قول الله تعالى في قصة مريم:(إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً) (مريم ـ 18) ما المقصود بكلمة تقي في الآية؟ وكيف يستعاذ بالرحمن ممن كان تقياً ؟! وما وجه الإعجاز البياني لورود كلمة تقي دون غيرها من الكلمات؟!
كلمة تقي هنا تحتمل معنيين ، قبل وهذا مالم أجد دليلاً عليه ، قد يكون ذلك صحيحاً وقد يكون غير صحيح بان جبريل عليه السلام جاءها في صورة شاب يسمى تقياً، والقيل الآخر إن كنت تقياً إن كنت تخشى الله ، فإن الذي يخشى الله عز وجل إذا سمع هذه الاستعاذة تثور في نفسه مشاعر التقوى وعند ما يثور في نفسه مشاعر التقوى يكف عن عمله وفي هذا ما يكفي الإنسان دليلاً على أن هذه الكلمة وضعت موضعها، ومفهوم كلمة التقوى مفهوم واسع ، فإنها وإن كانت في أصلها اللغوي الاجتناب والابتعاد، اتقى مطابق وقعه وقيته أقيه فأتقاه، أي جنبه أجنبه تجنبه، لأن فاء الكلمة واو، والفعل الذي فاؤه واو، أو لام، أو نون ، أو ميم، أو راء، يأتي مفاعله على مفتعل وفعل: (افتعل قد يطاوع .. وحيث تروى بفاء شائع).