حين تتضافر العوامل اللازمة والمقومات والموارد مع العقل المخطط والرؤى الصحيحة والأفكار الناضجة والجدوى الاقتصادية، تكون النتائج مبهرة، وتحقق الأهداف وتدفع نحو مزيد من العمل والطموحات، ومضاعفة الجهود وتسخير الإمكانات لحصد المزيد من النجاحات. كما أن سياسة الانفتاح الاقتصادي وتفاعلات قوى السوق لها مفعولها تجاه الاقتصاد الوطني وتقوية أركانه، وتزيد من ربطه باقتصادات العالم الحر المحكوم بحزمة من القوانين التي تسهل تدفق رؤوس الأموال عبر العالم دون موانع أو عراقيل.
ويأتي القطاع اللوجستي بالسلطنة واحدًا من بين القطاعات الحيوية التي تمثل ركيزة مهمة من ركائز اقتصادنا الوطني، وقد أعطت مبادرات هذا القطاع التي تبناها البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي "تنفيذ" والتي بلغت 16 مبادرة ومشروعًا دفعة واضحة نحو رفد القطاع اللوجستي بالنظر إلى ما يمثله من أهمية كبرى باعتباره الشريان الحيوي الذي تمر عبره البضائع ومصادر الطاقة من مناطق الإنتاج إلى مناطق الاستهلاك، وبات يشكل مع مصادر الدخل والموارد الطبيعية الأخرى ثروة اقتصادية واعدة بالنظر إلى الإمكانات التي تتمتع بها السلطنة، خصوصًا الموقع الجغرافي الذي أضفى على القطاع اللوجستي أهمية أكبر ودورًا أعظم، من خلال إطلالاته البحرية والبرية والجوية التي تربط طرق التجارة وحركة الملاحة في العالم.
والتوجه الذي بدأته السلطنة وقطعت فيه شوطًا كبيرًا تجاه القطاع اللوجستي يعكس صواب الاختيار وسلامة التفكير والخطط، ذلك أن هذا القطاع سيجعل من السلطنة إحدى الواجهات اللوجستية العالمية التي لا غنى عنها بالنسبة لدول العالم، لا سيما الدول التي تتميز بالعمق الاقتصادي والتجاري وبالانتشار والتوسع، ما سيسهم في استقطاب رؤوس الأموال والاستثمارات المتعددة النشاطات، وينعكس في الوقت ذاته على اقتصادنا الوطني وينميه.
ويؤكد التقدم الذي حققته السلطنة في مؤشر الأداء اللوجستي للعام الجاري 2018م ليس على نجاح الخطط والاختيار والأفكار وبُعد النظر فحسب، وإنما أيضًا على أن السلطنة باتت محل اهتمام عالمي ومعبرًا دوليًّا لحركة التجارة والسلع. فقد جاءت السلطنة في المرتبة الثالثة والأربعين عالميًّا متقدمة خمسة مراكز عن ترتيبها في عام 2016م عندما جاءت في المرتبة الثامنة والأربعين، بحسب تقرير للبنك الدولي.
ما من شك أن هذا التقدم مثلما يعكس ما بذل من جهود على مستوى مختلف الجهات الحكومية ومجتمع القطاع اللوجستي من أجل تنفيذ الاستراتيجية الوطنية اللوجستية والارتقاء بتنافسية السلطنة عالميًّا، يرتب مسؤوليات أكبر من الآن فصاعدًا لمضاعفة الجهود وإحراز مراتب متقدمة أكبر، مع ما يجب أن تتضمنه الجهود من حراك إقليمي ودولي للتعريف بإمكانات السلطنة ومقوماتها وموقعها الجغرافي، فالطموح بات قاسمًا مشتركًا بين الجميع مسؤولين ومواطنين بأن تكون السلطنة من بين الأوائل في القطاع اللوجستي عالميًّا. وحسب معالي الدكتور وزير النقل والاتصالات، فإن القطاع اللوجستي يعد من القطاعات التي يعوَّل عليها في قيادة دفة التنوع الاقتصادي؛ كونه يربط القطاعات الأخرى. كما أن نجاحه يعزز من متانة واستدامة اقتصاد السلطنة، فاهتمام الحكومة بهذا القطاع بدءًا من صياغة الاستراتيجية اللوجستية الوطنية 2040 وإنشاء مركز عُمان للوجستيات للإشراف على تنفيذ الاستراتيجية، وإنشاء المجموعة العمانية العالمية للوجستيات (أسياد) في يونيو 2016 ما هو إلا تأكيد لما سيسهم به هذا القطاع الواعد في جذب المزيد من الاستثمارات وتحسين مساهمة القطاعات غير النفطية.