ـ وقع البلدان مشاهد اعتبرت غير ممكنة الحدوث فترة طويلةـ البلدان في صراع مجمد منذ الحرب الحدودية بينهما عام 1998 ـ نحو نصف مليون مواطن إريتري فروا من الخدمة العسكرية والمدنية وأثيوبيا تحكم بشكل متسلط منذ سنواتـ يرى محللون أن سرعة التقارب بينهما تعتبر سببا للقلق حيث كثير من التفاصيل لم تتضح بعدأديس أبابا ـ د ب أ : ثورة صامتة، هذا هو ما حرص عليه آبي أحمد في القرن الإفريقي. فبعد 20 عاما من العداوة الصريحة مع إريتريا أبرم رئيس الوزراء الأثيوبي الجديد سلاما مع العدو اللدود إريتريا، ويبدو أن ذلك حدث بين عشية وضحاها.ربما ظهرت آثار هذا السلام قريبا ليس فقط في المنطقة بل ربما كانت ملموسة عبر البحر المتوسط وصولا إلى ألمانيا. وليس إبرام السلام هو قمة الجبل حيث بدأ آبي وبسرعة الريح وبدون زوبعة كبيرة إصلاحا في بلاده التي ظلت تحكم بقبضة قاسية فترة طويلة. ولكن سرعة هذه التغيرات تتسبب في قلق أيضا حيث إنها تواجه الكثير من العقبات. ـ فهل يستمر السلام في القرن الإفريقي؟ وقعت في اريتريا وأثيوبيا خلال الأيام الماضية مشاهد اعتبرت غير ممكنة الحدوث فترة طويلة.هبطت طائرة تجارية أثيوبية لأول مرة في إريتريا المعزولة والتي كثيرا ما توصف بأنها كوريا الشمالية في إفريقيا.وتعانق أفراد عائلة واحدة باكين بعد أن انفصلوا فترة طويلة عن بعضهم البعض. وتصافح آبي ورئيس إريتريا، أسياس أفورقي، مع آبي بوجهين مشرقين. أبرم العدوان اللذان فصلت بينهما عداوة سنوات طويلة، سلاما حقا. لم يكن من الممكن حتى وقت قصير الاعتقاد بإمكانية حدوث هذا السلام. كانت كل من أثيوبيا وإريتريا التي كانت يوما ما جزءا من أثيوبيا، في صراع مجمد منذ الحرب الحدودية بينهما في الفترة من عام 1998 حتى عام 2000. انعزلت إريتريا التي تحكم بشكل رجعي عن العالم الخارجي وفر الكثير من سكان إريتريا من الخدمة الوطنية العسكرية والخدمة المدنية التي لم يكن لها سقف زماني.وصل عدد هؤلاء العام الماضي وفقا للأمم المتحدة نحو نصف مليون شخص على مستوى العالم. وتعتبر ألمانيا الدولة الثالثة من حيث عدد الإريتريين الذين استقبلتهم حيث يبلغ عدد الإريتريين في ألمانيا أكثر من 57 ألف إريتري وفقا للهيئة الألمانية لشؤون الهجرة واللاجئين. كما أن أثيوبيا التي يعيش بها نحو 100 مليون نسمة من أعراق متعددة تحكم بشكل متسلط منذ سنوات، فليست المعارضة ممثلة في البرلمان إضافة إلى أن الكثير من المعارضين في السجون. ورغم وتيرة النمو الاقتصادي المتسارعة في أثيوبيا إلا أنها لا تزال فقيرة جدا ولا تزال نسبة البطالة فيها مرتفعة. وطالما تسببت المظاهرات المتعاقبة في أثيوبيا في إحداث هزات دموية في أثيوبيا. ولكن رئيس الوزراء الأثيوبي آبي الذي يتولى منصبه منذ أبريل الماضي هز أثيوبيا والمنطقة بأسرها. لقد وعد آبي البالغ من العمر 41 عاما بإصلاحات جذرية وأنجز حقائق على الأرض بالفعل، حيث أمر بالإفراج عن مئات المعتقلين السياسيين وأنهى حالة الطوارئ وأعلن بيع أجزاء من شركات مملوكة للدولة وأبرم سلاما مع إريتريا. قوبلت هذه الخطوات باستحسان في جميع أرجاء أثيوبيا. يقول برون واين بروتون من مركز أتلانتيك للدراسات السياسية إن إبرام السلام مع إريتريا يمثل خطوة رائعة لتحسين صورته حيث استطاع من خلالها تعزيز درجة شعبيته ومركزه. كما يرى بوتون أن هذا السلام يعتبر أيضا خطوة تكتيكية بالغة وأن السلام مع إريتريا يعني على سبيل المثال الحصول على إمكانية الوصول للموانئ الإريرترية على البحر الأحمر وهو ما تحتاجه أثيوبيا التي ليس لها منافذ بحرية وتعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة ولديها طموحات عظيمة في الوقت ذاته. ربما ساعد ذلك إريتريا في توفير نفقاتها العسكرية ويعني في الوقت ذاته لإريتريا أن تنهي الأمم المتحدة أخيرا عقوباتها المفروضة عليها وهو ما لمح إليه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش بالفعل. غير أن الهجوم الذي تعرض له تجمع لمؤيدي آبي قبل شهر يدل على أنه ليس كل الأثيوبيين يؤيدون سياسته، خاصة الحرس القديم الذي فقد قدرا من سلطته حيث إنه على الرغم من أن جبهة تحرير شعب تجراي ، التي ينتمي إليها لا تمثل سوى أقلية وليست سوى حزب واحد من أربعة أحزاب في الائتلاف الحكومي في أثيوبيا ، ما زالت تتمتع حتى الآن بسلطة واسعة. يقول بروتون إن آبي ينتزع السلطة السياسية والاقتصادية من نخبة جبهة تحرير شعب تجراي وإن إصلاحاته تمثل "بداية حرب خاطفة" لإقناع الجبهة بضرورة قبول الواقع الجديد. ولكن لم يتم تحييد الجبهة المتشددة داخل الحزب بعد "وباستطاعتها تخريب كل شيء". كما أن السلام مع إريتريا ليس آمنا حتى الآن. فوفقا لبروتون فإن سرعة التقارب مع إريتريا تعتبر سببا للقلق لأن الكثير من التفاصيل المهمة لم تتضح بعد، أهمها: متى ينسحب الأثيوبيون من منطقة بادمي الحدودية المتنازع عليها؟ هل باستطاعة آبي أن يأمر بذلك بكل سهولة؟ وماذا سيفعل بعشرات آلاف الجنود؟ إذا تعثرت عملية السلام فإن الاستياء يهدد بالعودة، على جانبي الحدود. ومن غير المعروف بعد ما إذا كانت إثيوبيا ستتبع عملية التحول الجذرية في جارتها إريتريا حيث تواجه إريتريا مهمة "عملاقة" حسبما قالت ماريا بورنيت من منظمة هيومان رايتس ووتش لحقوق الإنسان مضيفة: "ليس لدى إريتريا دستور أو تشريع أو قضاء مستقل". وأوضحت بروتون أن الخدمة المدنية التي يبغضها الإريتريون تمثل العمود الفقري للاقتصاد لأن جميع الوظائف، من المعلم حتى النادل، يؤديها مجندون تجنيدا إجباريا".أضافت بورنيت: "ليس من السهل اختراع اقتصاد بشكل كامل من جديد". كما أن مستقبل عشرات الآلاف الذين يعيشون في المنفى غير أكيد. ــــــــــــــــــــــــــــــــــأثيوبي يعثر على أسرته في إريتريا بعد فراق 18عاماأسمرة ـ رويترز) : عندما اندلعت الحرب بين أثيوبيا وإريتريا عام 1998 وبدأت كل دولة عملية ترحيل جماعي لمواطني الأخرى اعتقد عبد السلام حجو أنه لا يوجد ما يدعوه للقلق لثقته بأن جواز سفره الأثيوبي سيحمي زوجته الإريترية من الطرد.لكن بعد عامين ومع احتدام الصراع على طول الحدود المشتركة، اختفت زوجته نتسلال أبرهة بشكل غامض مع ابنتيهما.وبدأ عبد السلام وهو صحفي في التلفزيون الرسمي الإثيوبي عملية بحث محمومة عنهن. وبعد عدة أيام قابله أحد الجيران وسلمه رسالة من نتسلال تقول فيها إنها رحلت لإريتريا مع البنتين أزمرة ودنايت اللتين كانتا في سن المراهقة آنذاك. ولم تفسر نتسلال في الرسالة أسباب رحيلها لكن عبد السلام كان يشك في أنها، مثل ملايين آخرين على جانبي الصراع، وقعت أسيرة للنعرة الوطنية التي اجتاحت البلدين تحت وطأة الحرب وإراقة الدماء. وكتبت الأم في الرسالة "في يوم ما، قد نلتقي". لكنهما لم يلتقيا على مدى 18 عاما. لم تكن هناك وسيلة للاتصال فقد قطعت كل خطوط النقل وخدمات الهاتف والبريد منذ بداية الصراع. إلا أن حلم لم الشمل أصبح حقيقة هذا الشهر عندما وقعت حكومتا البلدين، اللذين ظلا خصمين لنحو عقدين حتى مع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار عام 2000، اتفاق سلام أنهى سنوات من العداء. وبعد أن تصافح الرئيس الإريتري أسياس أفورقي ورئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد وتعانقا وتعهدا بإعادة العلاقات كان عبد السلام بين أكثر من 400 مسافر توجهوا إلى أسمرة يوم الأربعاء في أول رحلة طيران مباشرة بين البلدين منذ 1998. وقبل هذه اللحظة بأشهر كان عبد السلام قد فقد الأمل في لم الشمل. وعلى مدى السنوات حاول التواصل مع أسرته وشملت مساعيه تقديم طلب للجنة الدولية للصليب الأحمر لإيجاد أي وسيلة تواصل مع زوجته لكن بلا جدوى.بل إنه فكر في السفر إلى إريتريا عبر السودان بمساعدة مهربين لكنه نُصح بعدم الإقدام على ذلك بسبب التكلفة الباهظة والمخاطر على سلامته.وقال عبد السلام (58 عاما) "كل شيء كان محبطا. كنت أسأل نفسي إن كنت سأحرم من رؤية أسرتي (مرة أخرى) لأنني لم أكن أمتلك ما يكفي من المال". ـ زغاريد وألم رغم أن أصدقاءه استطاعوا العثور على ابنته الكبرى أزمرة على فيسبوك ورغم أنه تبادل الرسائل معها على مدى العامين الأخيرين، كان عبد السلام كثيرا ما يجد نفسه مضطربا بسبب عدم قدرته على الحديث معها وجها لوجه.وقال لرويترز في اليوم الذي وصل فيه لأسمرة "ذات مرة انهرت وفقدت الوعي. لم أستطع تمالك نفسي. توقفت عن الكلام معها لأنني لم أعد احتمل". لكن في الوقت الذي اكتسب فيه التعهد بعودة العلاقات بين البلدين زخما وتزايدت فرص التقارب خلال شهري يونيو ويوليو، تواصل عبد السلام مع ابنته مرة أخرى. واتفقا على اللقاء في منزل أحد الأقارب. والخميس المنصرم خارج مبنى صغير في حي جيزا بندا تيليان بأسمرة، استقبل عبد السلام بالزغاريد والتهليل. تعانق الزوج والزوجة والابنتين للمرة الأولى منذ 18 عاما.في البداية كان الحوار متحفظا.وقال لزوجته "جئت رغم شعوري بألم في الأسنان".وردت الزوجة قائلة "أنا أيضا مريضة". وانفجر عبد السلام بالبكاء عندما عانقته ابنتاه.وقال "كانت سنوات من الظلام. الانفصال والشوق كانا فوق الاحتمال. تخيل أن شخصا فاز باليانصيب للتو. هذا هو شعوري الآن".وتحسر عبد السلام على الثمن الباهظ والمرير الذي دفعه أناس عاديون على جانبي الحدود.وقال "كان هذا غير ضروري. فقدت أسرتي بسبب ذلك. كلنا خضنا الصراع بطريقة أو بأخرى".ولم تستطع ابنته الأخرى دنايت أن تصدق أنها ترى والدها مرة أخرى. وقالت "ربما يجلس بجانبي الآن لكنني لا أزال مرعوبة من أنني قد أفقده مرة أخرى".وتجنب عبد السلام، الذي كان يحاول السيطرة على انفعالاته، أي أسئلة بشأن الماضي بما في ذلك السؤال عن سبب رحيل زوجته مع ابنتيهما رغم أن ابنهما بقي معه.وفي الوقت الذي لا يزال السلام فيه بين أثيوبيا وإريتريا في مهده، لم يتضح بعد أين ستعيش الأسرة في نهاية المطاف.لكن عبد السلام كان يتطلع للمستقبل. وقال "لا أهتم بذلك الآن.. ألقيت بالماضي خلف ظهري وسوف أستمتع بالمستقبل مع أبنائي".