تزخر أرضنا عمان بمآثر حضارية خلدها الزمان لتكون شاهدا على عراقة هذه الأرض التي قامت واحدة من أعرق حضارات العالم القديم تزامنت مع حضارات بلاد الرافدين، ففي كل بقعة من بقاع هذه البلاد نجد أثرا حضاريا، وتتنوع هذه المكتشفات الأثرية بين منطقة وأخرى مما يدلل على التنوع الحضاري الذي ساد عمان زمانيا ومكانيا.
وولاية العامرات بمحافظة مسقط أحد تلك الأماكن التي تنتشر في بعض مناطقها آثارا حضارية وشواهد تاريخية تؤكد على إسهامها في رفد الحضارة العمانية بمكتشفات أثرية مهمة، ومنذ الوهلة الأولى يعتقد بأن هذه الولاية لا تحوي شيئا من التراث المادي ولكن عندما يُبحث في أرجائها نجد أنها ملآى بالآثار التي خلدها التاريخ عبر مراحله المختلفة، وهذه المكتشفات هي الظاهرة للعيان حيث من الممكن بعد البحث والتنقيب بالقرب من هذه المكتشفات نجد آثارا أخرى مطمورة تحت الأرض بفعل عوادي الدهر عبر الأزمنة المتعاقبة.
وتنقسم تلك المكتشفات الأثرية حسب طبيعتها إلى:
1- أبنية أثرية: كالحصون والأبراج والمباني السكنية القديمة كالحارات الصغيرة.
2- ونقوش ورسومات وكتابات صخرية: كرسومات الحيوانات والمعارك والمتعلقة بالجانب الديني
3- مناجم التعدين: أو التي تسمى بمقاطع الرصاص واللاصف والملح.
4- مقابر: والتي تتنوع بين قبور عصور ما قبل الإسلام وقبور في العصور الإسلامية.
5- المستوطنات الزراعية المهجورة: والتي توجد عليها آثار مرتبطة بالحياة الزراعية.
أهم المكتشفات الأثرية :
1- حارة محصنة (حصن صنه):
تقع هذه الحارة الحصينة في منطقة الحاجر والتي كانت تسمى بحاجر حطاط أو حاجر الخفيجي تميزا عن غيرها من حواجر عمان المختلفة، واللافت في هذه الحارة الحصينة أنها ترتفع عن ما جاورها من أراض سهلية بحوالي (150م) فهي على مصطبة جبلية تشرف على ممر حيوي يربط بين شرقية عمان بمسقط، كما أنها تقع على ضفاف أهم أودية ولاية العامرات وهو وادي الجانحي ووادي الحاجر ليلتقيا أمام هذه الحارة ويصبا في وادي الميح الذي يقع مصبه على بحر عمان عند شاطئ يتي التابعة لولاية مسقط، وهذا الموقع الجغرافي على ملتقى الأودية هيأ حولها أراضي زراعية خصبة تستفيد منها، كما وجدنا داخل هذه الحارة موقع تعدين، وبذلك تكون هذه العوامل المهمة سببا رئيسيا لقيامها ونشاطها في فترة من فترات التاريخ العماني القديم.
وعند الصعود إلى هذه الحارة يقابلك سور محيط بالحارة عبر أطراف هذه المصطبة الجبلية وما يثير الإعجاب هو سمك هذا السور الذي يصل لحوالي (متر) مرصعا بالحجارة وبارتفاع تبقى منه أيضا في بعض الأماكن يصل إلى (متر) بينما طوله يتجاوز (1كم)، وبداخل هذا السور توجد مجموعة كبيرة من المباني السكنية المتهدمة والمبنية من الحجارة، تتوزع داخل السور، كما يوجد موقع تعدين في جهة من هذا الموقع الأثري المهم والفريد في ولاية العامرات.

2- كهف الموميان:
هو كهف من صنع البشر حيث تم شقه في قمة جبل تطل على وادي الميح، ويرتفع تقريبا لأكثر من (200م) عن مجرى الوادي، ويستخرج منه مادة الموميان ذات لون أسود تستخدم لعلاج كسور العظام كعلاج شعبي متعارف عليه عند أهالي المنطقة، وطريقة استخراجه تتم بقطع المادة وتكون مختلطة بالصخور مما يلزم القيام بفصل تلك الصخور عن مادة الموميان وتتم بطريقة تسخين المادة الصخرية ثم ينفصل الموميان عن الصخر بطفوه أعلى الماء فيتم استخراجه وخلطه مع الحليب ليقوم الشخص المنكسر بشربه فتكون النتيجة فعالة.

3- منجم اللاصف (الإثمد):
منجم تعديني في قمم جبلية تقع إلى أقصى جهة الشمال الشرقي من ولاية العامرات حيث في أحد روافد وادي عدي ويحتاج لمسافة ثلاث ساعات مشيا ذهابا وإيابا، والمنجم عبارة عن مجموعة مواقع محفورة في قمة جبل بينها موقع عميق يزيد عمقه على (10م) وظاهرة عملية حرق الصخر لتسهيل قطعه، وبالخارج توجد مصهورات نتيجة عملية فصل مادة اللاصف عن الصخور الأخرى لذلك يكثر الفتات الصخري بالموقع وتوجد آثار لجدر قديمة ربما استخدمت في عملية التصنيع تلك.
وكانت قوافل تجارية تقدم من نزوى وبهلا لشرائه حتى يتم استخدامه في صناعة الفخار حيث يستفاد من المادة بإضافتها على الطبقة النهائية كأصباغ للفخار لتعطيها لمعانا أكثر.

4- رسومات ونقوش صخرية:
توجد مجموعة من الرسومات الصخرية تنتشر في كل من وادي الميح ووادي عدي على ممرات الطرق قديما، وهذه الرسومات تعطي صورة عن الواقع الذي كان يعيشه الإنسان في فترات تاريخية سحيقة حيث لم تكتشف الكتابة بعد، وهذه الرسومات والنقوش تتميز بأهميتها الحضارية إذ تمثل جانبا من جوانب الإبداع عند الإنسان قديما حيث يصور فيها الحالة الاجتماعية والدينية والاقتصادية التي يعيشها المجتمع آنذاك، ومن نماذج تلك الرسومات رسمة للأفعى حيث يذكر المختصون بأن لها رمزا دينيا خلال فترة الألف الثالث والثاني قبل الميلاد، وهناك رسومات لحيوانات مختلفة منها الوعل والخيل وبعض الحيوانات المفترسة، ومما تتميز به ولاية العامرات وتنفرد هي رسومات لحيوان الفيل والذي يعتقد أنه عاش في هذه المنطقة في العصور القديمة، وفي ظفار كانت الفيلة يحمل عليها منتجات اللبان قديما.

5- القبور الأثرية:
تنتشر القبور القديمة في ولاية العامرات وخاصة في منطقة الحاجر، وبعض من تلك القبور تقع في منطقة وادي عدي، وهذه القبور تختلف في أشكالها فمنها القبور الدائرية ومنها القبور المستطيلة، فالقبور الدائرية هي عبارة عن بناء صخري قطره قرابة (2م) وارتفاعه (1م) ومن الأعلى توجد فيه فتحة صغيرة.

6- المستوطنات الزراعية:
توجد في ولاية العامرات مستوطنات زراعية ظهرت في فترات تاريخية مختلفة، وفي مناطق متعددة من ولاية العامرات ومن أبرز تلك المناطق:
أ‌- الأخضر: ويقع في منطقة الأقمار الاصطناعية مقابل لمتنزه العامرات، ومن أهم بقايا تلك المستوطنة مسجد أثري حيث لا زال محافظا على جدرانه التي بنيت بالجص والحصى، كما توجد في الموقع آثار لساقية الفلج وجدران بنيت بالحجارة لحماية التربة من الانجراف.
ب‌- السعادي: وتقع بالقرب من بلدة جحلوت وكانت من أكبر التجمعات السكانية في جنوب العامرات، وبها فلج شق من وادي جحلوت وقد بقت آثاره وآثار الأراضي الزراعية الواسعة ومخازن الزراعة وبعض المنازل القديمة.
ج‌- المحيول: وتقع في منتصف مسار الوادي القادم من جحلوت إلى وادي الميح إلى الجنوب من الحاجر، وقد تبقى من معالم هذه المستوطنة الزراعية الضواحي والجدران ومخازن الحبوب، حيث تمتد على شكل مدرجات مما يؤكد بنائها على فترات زمنية متعاقبة.
د‌- الفيفا: وهي منطقة جبلية بالقرب من بلدة حيم إلى الجنوب الغربي من ولاية العامرات، حيث يعبرها واديا على ضفتيه تنتشر مزارع النخيل، وأراضي أخرى لزراعة منتجات زراعية مختلفة، وقد تبقى آثار يتضح من معالمه أنه فلج كبير شق بطريقة هندسية غاية في الإبداع.
وهكذا هي عمان بلد الحضارة والعطاء والتراث والتاريخ، متحف طبيعي بآثاره التي خلدها الزمان عبر الأيام والسنين، زاخرة بالتراث المادي وغير المادي والتي حظيت بتسجيل الكثير من مواقعها في منظمة اليونسكو اعترافا أمميا بهذا البلد الحضاري العظيم؟

حبيب الهادي