[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
لماذا نغدق التهاني والتبريكات على من تقلد المنصب الرفيع ونسعى للتقرب منه وتعميق العلاقة بشخصه الكريم وندعوه إلى مناسباتنا ونتباهى أمام العامة والخاصة بزيارته لنا ونتأوه ونتحسر ونحنق لأن المنصب تجاوزنا وذهب لغيرنا؟ لماذا لا نستبدل التهاني بالقلق والتضامن مع من قلد المنصب حديثا لثقل الأمانة وجسامة المسؤولية والدعاء والتمني له بالتوفيق والنجاح...

في المنصب بريق جذاب يشد النفوس ويأسر العقول، تضعف المقاومة أمامه ويشتد التنافس عليه ويتخلى البعض عن الكثير من مبادئهم وقيمهم وقناعاتهم إذا ما ظهر لهم حقيقة أم وهما بأنها تشكل عقبة في الطريق إلى المنصب، أمنية يحلم به الحالمون ويتمناه ويسعى إليه الطامعون المتطلعون، يرسم الواحد منا طريقه ونهجه الخاص ويحدد الوسائل والأدوات اجتهادا أو توجيها فيتبناها ويسير على هديها، اعتقادا بأنها توصل إلى المنصب بأقصى سرعة، هو الحلم الذي يتحقق للبعض ويستعصي على البعض الآخر، قد يهرع المنصب لشخص لم يسع إليه ولم يطلبه ولم ير نفسه يوما مؤهلا لمقامه ومنزلته الرفيعة، وقد يهرب أو يتمنع عن امرئ قضى جل حياته ووقف المواقف المحرجة وتخلى عن الرجاحة والرزانة وسمات الشخصية المهيبة، وجاهد بصدق من أجل يوم واحد يقضيه في الكرسي الوثير، ولا يكتشف إلا في نهاية المطاف بأنه ما كان يجري إلا وراء سراب مبددا ما تبقى من حياته في أسئلة لا نهاية لها وفي إجابات لم تزده إلا غموضا وتعمية متسائلا عن الأسس والمعايير والآليات التي تشكل قاعدة لانتقاء فلان من الناس لتقلد المنصب، ولماذا تخطى النافذون والمختصون اسمه برغم إسهاماته وحرصه وسعيه وخططه وأعماله وتفانيه في خدمة النظام وعمالقته؟ هل أخطأ في أمر لم يحسب حسابه؟ هل أفسد عليه خططه شخص ما غيور وحقود؟ هل تضمنت الخطة جزئية من الجزئيات لم ينفذها بالطريقة الصحيحة؟ هل تخلت عنه الشخصية الكبيرة التي تمسك بها واستظل بظلها كشرط أساسي للوصول إلى المنصب؟ ... يعني المنصب لعدد كبير من الناس الوجاهة والغنى وحزمة طويلة من الامتيازات والإغراءات، فمن يتولى المنصب وبحسب ما يتجسد بقوة في الثقافة الشعبية العامة وفي مخيلة وتفكير شريحة واسعة من الناس يدخل إلى المؤسسة ولا يملك إلا النزر اليسير من المال ويخرج منها وقد أمن مستقبل الجيل العاشر من أحفاده، قد يصل إلى المؤسسة كمسؤول متسلح بالشعارات الإنسانية الجميلة والمبادئ الوطنية والمثل الكبيرة والحس اليقظ بالمسؤولية وعزم بالإخلاص للأمانة ورغبة أكيدة في خدمة الوطن... ويودعها ولم يبق من ذلك شيئا بعد أن تبددت وتلاشت في دهاليز التخطيط وتحقيق الأحلام والانصراف إلى المصالح الخاصة اقتداء بالأقران وتنفيذا لتعليمات وآراء المحيطين من المستفيدين والخلان، وبعد أن عجزت مقاومته أمام الضغوط والإغراءات ولغة المصالح التي يتلاعب بها جميع من في منزلته وبعد اكتشافه المبكر بأن الإصرار على الصمود يعني الخروج من اللعبة خاسرا، ويدخل آخر ولا هدف له إلا تأمين مستقبله ومستقبل أبنائه وتحقيق أهدافه الشخصية أسوة بغيره ولا يخرج إلا وقد تحقق له ما يفوق أحلامه... حديث الناس عن المنصب وما يحيط به ومن يشغله لا يتوقف، فهم منشغلون حتى الثمالة بمن انتزع (بسكون النون وضم التاء) منه المنصب ومن كرم ووضع فيه والأسباب والمسببات والدوافع التي تختلف من فرد إلى آخر وكل متحدث يجزم بأنه وحده من يملك الحقيقة، وعن تغييرات قادمة ستطول مناصب رفيعة، يسقطون قامات ويرفعون ويعينون شخصيات، ومع الحديث دلائل وإسقاطات تحمل مؤشرات وتحليلات وأسباب لا تخلو من المزايدات والإشاعات وقد تمر سنوات فلا يحدث شيء مما ذكر، وقد تحدث تغييرات كبيرة مفاجئة لم يتنبأ أحد بها، والمعفى (بضم الميم وسكون العين) عن منصبه مغضوب عليه بسبب تجاوزات وممارسات واستغلال للمنصب وقصور في الأداء، هذا في نظر العامة ودائما ما يتعرض للشماتة المدعمة بعبارات الاستحقاق والاستعبار لما حدث له، فهم فئة لا تشبع من الاستغلال والاستقطاع والاستثمار وجمع المال كما يردد الكثيرون في لقاءاتهم ومنتدياتهم الإلكترونية، فالعلاقة بين أصحاب المناصب وشريحة واسعة من أبناء المجتمع ليست ودية ولا حميمية وتتسم عادة بانعدام الثقة، قد يرجع ذلك إلى شعورهم بانعزال أو انغلاق أهل المناصب على أنفسهم، أو بسبب ما يشاع عن استغلال المنصب لأغراض شخصية والإثراء الفاحش بسبب الفساد، أو لأنهم لم يقدموا ما فيه الكفاية لنيل رضا المواطن وخدمته، وقد تكون الأسباب مغايرة لذلك تماما مبعثها الغيرة والحسد... والأسئلة الأساسية التي دائما ما تطرح وسط هذه المعمعة التي يثيرها المنصب هو: لماذا أضحت النظرة إلى المنصب معزولة عن تبعاته الكبيرة وعلى رأسها أمانة المسؤولية وجسامتها، وأضحت مرتبطة بما يقدمه فقط من مغانم ومصالح وامتيازات على مستوى الشخص لدرجة أن أناسا كثيرين يرون بأن لهم الحق والقدرة على تبوؤ المنصب...؟ لماذا نغدق التهاني والتبريكات على من تقلد المنصب الرفيع ونسعى للتقرب منه وتعميق العلاقة بشخصه الكريم وندعوه إلى مناسباتنا ونتباهى أمام العامة والخاصة بزيارته لنا ونتأوه ونتحسر ونحنق لأن المنصب تجاوزنا وذهب لغيرنا؟ لماذا لا نستبدل التهاني بالقلق والتضامن مع من قلد المنصب حديثا لثقل الأمانة وجسامة المسؤولية والدعاء والتمني له بالتوفيق والنجاح والقدرة على تحمل تبعات هذا التكليف... أسئلة قد لا تبتعد إجابتها عما يطرح حول المنصب من أحاديث وقصص ومشاهدات لا تنتهي. أحلام وأوهام وأطماع تجسد جانبا من ثقافة المجتمع السائدة التي تدور حول المنصب، وليس المهم في نظري من صعد ونزل، ومن جاء وذهب، المهم ماذا قدم لهذا الوطن وما هي برامجه وإنجازاته، المهم قدرة التشريع وقوة النص القانوني وسلطات المؤسسات الرقابية والقضائية على ردع كل يد تمتد إلى المال العام وتستغل المنصب من أجل الإثراء الفاحش، والتي تحتاج إلى المزيد من المراجعة والدعم والسلطة والصلاحيات لتتمكن من القيام بواجبها حول ما يشاع ويقال عن الممارسات غير السوية والانتهاكات التي يقوم بها البعض، وأن يقتصر تناول الموضوع طرحا وكتابة على أساس الغيرة على هذا الوطن والحفاظ على نسيجه الاجتماعي وكشف الممارسات والتنبيه من مخاطر الفساد تناولا يتسم بالموضوعية والرصانة والمصداقية والمسؤولية من أجل مستقبل أكثر إشراقا وجمالا ورفعة وتحقيقا للأهداف والغايات الوطنية المنشودة وتحقيقا لمتطلبات دولة القانون والمؤسسات.