[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
خرجت عهد التميمي من السجن الأصغر إلى السجن الأكبر .. أخطأ الصهيوني حين ظن أن جيلها سينسى أن له وطنا عاش في قلب العالم وحاولت الصهيونية ومن معها من دول إخفاءه عن الوجود. صارت عهد عهدا، رمزا، لا بد من رموز لكي تتكون المرحلة..
الوقت الفلسطيني من ذهب، طالما أنه مصنوع بنظرة جيل غير معجب بقيادة سياسية فلسطينية ويسعى لن يكون القائد، لكنها التجربة فمن أين تأتي وتلك تحتاج إلى وقت واختمار؟
ثمة خيوط مركبة بين ما يجري في العالم العربي وبين الترنيمة الفلسطينية التي تكبر وتزعج كثيرين من غربيين وعرب. مثلما أسقطوا أجيالا فلسطينية مضت، يريدون إسقاط الحلم الوردي لهذا الجيل الفلسطيني الذي يتطلع حواليه فيرى أنفاس أمة تتراكم انتصاراتها في سوريا، ويرى عراقيين سئموا تلك التشوهات الوطنية..
عهد التميمي قمر من أقمار تضيء الطريق إلى فلسطين الواقفة في نهاية النفق كما كان يصور المشهد ياسر عرفات. لا بد من أن تظل الراية ممسوكة بأيدٍ خارج مفهوم السلطة، وخارج قوانينها بعد أن داهمها التعب، لكن جيل عهد لم يتعب، ما زال في أول الطريق، وما زال جبينه قادرا على فرز عرق التعب، وما زالت فتوته تسمح له بأن يختار الصدام دون أن يتأثر.
من يذكر فاطمة برناوي الفلسطينية التي تعتبر أول أسيرة فلسطينية في ستينيات القرن الماضي، ومن بعدها كرت السبحة، صار هنالك فلسطينيات ولدت بعضهن في السجن، أنجبت ماردا وليس طفلا، ثائرا منذ أول تفتحه على الدنيا. أحاول أن أقرأ العقل الصهيوني الذي لا ينتبه إلى تلك الظواهر الخارقة الموحية والمعنونة بألف معنى.
ثم من يذكر أحمد بكر حجاز أول شهيد لحركة "فتح" في منتصف الستينيات أيضا من القرن الماضي، وقد كان إقناع الفلسطيني يومها بالكفاح المسلح من الصعوبة بمكان، وكل الشعب الفلسطيني كان يسمع ويرى كيف أن الجيوش العربية في تلك الفترات تستعد لتحرير فلسطين. ومع هذا نجحت معادلة إقناع هذا الشعب بأنه الأولى بقضيته، وأنه المسؤول عنها، وإن كان وجهها عربيا كما قال أبو إياد في إحدى المقابلات الصحافية في أول إطلالة له في العام 1968.
إلى السجن الأكبر خرجت عهد التميمي لتحاصر الصهاينة من جديد .. بكل القوة العسكرية الصهيونية إلا أنها محاصرة بالأمل وبالسواعد .. هذا الشعر الفلسطيني وتلك القصص والروايات الفلسطينية وكل الأدب والثقافة والفن الفلسطيني هل يذهب هباء أم أنه أسس مثل رحلة الدم مكامن القوة؟
لن تحمي إسرائيل نفسها من هذا الجيل الغاضب الذي يتابع أسبوعيا ويوميا تقديم شهدائه بكل راحة ضمير .. يكاد الإسرائيلي ينفلق من الطوفان الفلسطيني الدائم في غزة لكسر "الحدود" حيث لا يعترف بها الغزاوي حدودا، ثم يخترع ما يتفتق عنه عقله البسيط ما يخربط حياة الإسرائيلي وما يقلقه وما يجعله دافعا لهجرته من إسرائيل، وكثير من الإسرائيليين يفكرون بذلك، بل إنهم على حيرة من أمر الأعداد الفلسطينية التي قاربت أعدادهم (ستة ملايين فلسطيني في الأراضي الفلسطينية وستة ملايين في الشتات)..
جيل عهد التميمي صورة واحدة من صور شعب سوف تطل أجيالها الأخرى، مثلما سبقتها أجيال حملت السلاح وقاتلت، واعتدي على تجربتها لكنها تركت التجربة برسم آخرين، ومنهم جيل عهد التميمي وما سيفرخ عنه في المستقبل.