[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
لا أعرف طبيعة صورة بغداد المخزونة في أذهان الجيل الجديد من العراقيين الذين لم يشاهدوا ما حصل بعد انتشار الدبابات الأميركية في العاصمة، ولا أعرف طريقة تفكير الكثير من العراقيين الذين أفاقوا في الصباح ليشاهدوا دبابات الغزاة تجول في الشوارع، لكن الذي أعرفه أن الكثيرين لم يتمكنوا من حبس الدموع وهناك من أجهشوا بالبكاء أمام عوائلهم، صحيح أن مشاهد الاحتلالات واحدة ومتشابهة، لكن الذي يعيش آلامها ليس كالذي يقرأ عنها أو يشاهد تفاصيلها من خلال البرامج التلفازية الوثائقية والأفلام.
لقد اتضحت معالم الصورة، خلال الساعات الأولى من صباح التاسع من أبريل/نيسان 2003، فقد خلت الشوارع تماما، من أي مظهر من مظاهر السلطة العراقية، فلا وجود للقوات المسلحة، ولا كوادر ومجاميع حزب البعث، الذين كانوا يملؤون الشوارع والأحياء والأزقة، حتى قبل (24) ساعة، وتسربت الدوريات التابعة للأجهزة الأمنية (الأمن العام، والمخابرات العامة). وحل مكان كل ذلك عدد من الدبابات الأميركية، التي اخترقت جانب الرصافة من بغداد باتجاه منطقة شارع فلسطين، حيث تقع عدة وزارات ودوائر حكومية، من أشهرها بناية اللجنة الأولمبية العراقية، التي يرأسها عدي النجل الأكبر للرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وبينما فتحت الدبابات الأميركية أبوابها أمام مجاميع من السراق المحليين وبينهم لصوص جاؤوا مع الأميركيين سبق تدريبهم على عمليات الحرق والسلب والنهب، وأحاطت الدبابات الأميركية مبنى وزارة النفط، الذي يقع على بعد مئات الأمتار عن الوزارات الأخرى، ومنعت أي شخص من الاقتراب إليها، وتركت الدوائر الأخرى عرضة للنهب والسلب، وتبين لاحقا ومن خلال ما ذكره الكاتب الأميركي توماس فريدمان في إحدى مقالاته، أن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، قد أمر وحدات الجيش الأميركي لتحطيم أبواب المخازن الحكومية والوزارات، ليتم نهبها من قبل العراقيين.
في تلك الساعات، توقفت البيانات العسكرية العراقية، وبدأت حملة إعلامية واسعة، اشتركت فيها الكثير من الفضائيات وقنوات التلفاز، في بث صور النهب والسلب، التي شهدتها مدينة بغداد، وكان الهدف من التركيز على تلك المشاهد، دفع أكبر عدد ممكن من العراقيين، للمشاركة في تلك العمليات بعد أن اختفى أي مظهر من مظاهر الأمن، ولم يكن هناك دور مؤثر لرجال الدين، بسبب تسارع الأحداث والانهيار السريع الذي حصل في مدينة بغداد.
لم يقتصر الأمر على نهب ممتلكات الوزارات والدوائر الحكومية، بل برزت ظاهرة غامضة، ما زالت تمثل غصة عند العراقيين، بعد أن وجهوا الاتهامات لأطراف معينة، قالوا إنهم يقفون وراء عمليات الحرق الواسعة، التي شملت وزارات ومباني حكومية، تحتوي ملايين الوثائق، التي تعود إلى الدولة العراقية، التي تأسست عام 1921. وتسببت الحرائق الغامضة، بحرق أجزاء مهمة من التراث الإداري والعلمي للدولة العراقية، ووسط هذا الدمار والخراب، وبينما يتصاعد الدخان من البنايات، سارعت دبابة أميركية إلى منطقة الصالحية بجانب الكرخ من بغداد، ووجهت قذيفة إلى الباب الرئيسي للمتحف العراقي، وتعمدت فتح أبوابه أمام عصابات، تبين فيما بعد أنها وضعت خطة دقيقة لنهب الذاكرة الثقافية والحضارية العراقية، فقد ظهرت مجاميع غريبة، اندفعت إلى أقبية ومخابئ سرية ومغلقة تحتوي على كنوز نادرة من الحضارة السومرية والأكدية والبابلية والآشورية، وذكر علماء الآثار ومسؤولون عن المتحف العراقي، أن تلك الآثار تم خزنها بطريقة سرية للمحافظة عليها. إلا أن الوجوه الغريبة، استطاعت الوصول إلى تلك الأماكن، ومن الواضح أن ثمة خطة معدة سلفا لتنفيذ هذا الهدف، تبدأ بعد أن تدمر الدبابة الأميركية البوابة الرئيسية للمتحف.