[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
المشكلة عندنا في بلادنا العربية، أن هذه الشركات ليس لها مكاتب أو تمثيل في أي بلد عربي، حتى تستطيع تحصيل الضرائب منها، ورغم هذا تجني ملايين الدولارات سنويا من سوق الإعلانات العربية دون سداد أي رسوم أو ضرائب، بل تفسح المجال لأي شخص أو كيان صغيرا كان أو كبيرا لتأسيس موقع إلكتروني عن طريق شراء النطاق وعمل "الدومين" من وكلاء لها مقابل مبلغ من الدولارات يدفع شهريا أو سنويا حسب حجم الموقع...

لم تكتفِ شبكة الإنترنت بالسطو على قراء الصحف الورقية، إنما امتد السطو إلى مصدر دخلها الأساسي وهو الإعلانات، بعد أن انصرف المعلنون عن صفحات الجرائد، واتجهوا إلى المواقع الإلكترونية ومنصات الـ"فيس بوك" و"تويتر" وشاشات اليوتيوب، حيث التكلفة أقل والمترددون يدخلون بالملايين مجانا.
ولكن يبدو أن عدالة السماء نزلت، لتنقذ مهنة الصحافة من افتراس غول الإنترنت، بعد أن تكشفت مؤخرا فضائح إدارة "فيس بوك" وكيف تاجرت ببيانات المستخدمين لصالح شركات التسويق ووكالات الدعاية والإعلان، بالإضافة لما جاء في الإحصائيات الأخيرة عن تراجع عدد المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي نتيجة افتقادها المصداقية؛ خصوصا "فيس بوك " كمصدر للأخبار، بعد سنوات من النمو والازدهار لهذه المواقع على حساب الصحف ووكالات الأنباء.
ولكن نشر الأخبار الكاذبة والفبركة وتزوير الصور وإثارة الفتن ونشر الإشاعات وغياب المصداقية، عجلت بانصراف كثير من القراء عن استقاء الأخبار من هذه المواقع الافتراضية، والعودة مرة أخرى إلى التعاطي مع وسائل الإعلام التقليدية الموثوقة للحصول على الخبر الصحيح والمعلومة الموثقة.
وفي سبيل مساعدة الصحف الورقية على استعادة حقها المسلوب من "كعكة الإعلانات"، لجأ كثير من الدول لفرض ضرائب على شركات جوجل و"تويتر" و"فيس بوك" نظير الأرباح الضخمة التي تحققها من وراء نشر إعلاناتها على شبكة الإنترنت في أميركا وسائر دول العالم، دون استئذان، فكلما دخلت الشبكة العنكبوتية للتصفح أو المشاهدة أو الدردشة، إلَّا وتجد الإعلانات العالمية والمحلية تطاردك وتلح عليك وترفض الانصراف.
هذه الأرباح المهولة من الإعلانات جعلت شركات مثل جوجل ويوتيوب وفيس بوك، "تتاجر في الهواء الافتراضي" تحتل الصدارة في البورصة، برأسمال يقترب من التريليون دولار، بينما تراجعت أنشطة الصناعة والزراعة والتجارة، وفقدت أهميتها وقلت أرباحها، وجاءت أسهمها في ذيل البورصة رغم الصبر والمعاناة و"عرق العمال والفلاحين الشقيانين" لتوفير الغذاء والكساء والدواء وسائر السلع والأدوات التي يحتاجها البشر للاستمرار على قيد الحياة، بينما يستطيع الإنسان العيش بدون نقال (موبيل) أو إنترنت.
لم تجد أميركا وأوروبا واليابان والصين والهند أدنى مشكلة في فرض ضرائب على "جوجل" و"تويتر" و"فيس بوك" لوجود مقرات لهذه الشركات على الأراضي الأميركية، ووجود مكاتب تمثيل معتمدة في هذه الدول، لاتساع الأسواق واشتراط وجود مكاتب معتمدة لهذه الشركات للسماح لها بالظهور, كما في الحالة الصينية التي تفرض رقابة على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، والهند التي وضعت سقفا بخمس زيارات للموقع الواحد لمنع التلاعب في "الترافيك" الذي تلجأ إليه بعض المواقع لجلب الإعلانات.
وجه بعض الدول حصيلة هذه الضرائب لدعم الصحافة الورقية، كما أرغمت الضرائب "جوجل" و"فيس بوك" على رفع أسعار الإعلانات لتقارب تكلفة الإعلان بالصحف الورقية مما يعيد التوازن لسوق الإعلانات ويمكن الجرائد من الاستمرار والمنافسة.
المشكلة عندنا في بلادنا العربية، أن هذه الشركات ليس لها مكاتب أو تمثيل في أي بلد عربي، حتى تستطيع تحصيل الضرائب منها، ورغم هذا تجني ملايين الدولارات سنويا من سوق الإعلانات العربية دون سداد أي رسوم أو ضرائب، بل تفسح المجال لأي شخص أو كيان صغيرا كان أو كبيرا لتأسيس موقع إلكتروني عن طريق شراء النطاق وعمل "الدومين" من وكلاء لها مقابل مبلغ من الدولارات يدفع شهريا أو سنويا حسب حجم الموقع، وينطلق الموقع ويستقبل الزوار ويبدأ حساب "الترافيك" بـ(الحق والباطل) فكلما زاد عدد الزوار أصبحت فرصة الموقع كبيرة في جلب الإعلانات؛ حيث يسعى المعلن لوضع إعلانه في المواقع الأكثر زيارة.
في المغرب سعت الحكومة لفرض ضرائب على "جوجل" و"فيس بوك"، لاستحواذهما على 70% من حجم الإعلانات المحلية على شبكة الإنترنت، وبسبب عدم وجود تمثيل للشركتين على الأراضي المغربية، قررت الحكومة تشكيل لجنة لتعقب التحويلات والمعاملات المالية بين المعلنين المحليين و"جوجل" و"فيس بوك" على أمل التضييق على الشركتين وإجبارهما على دفع الضرائب المستحقة عليهما للحكومة المغربية.
كما فرضت ضريبة على الصحف والمواقع الإلكترونية قيمتها 5% شهريا من دخل الإعلانات، وقوبل القرار باعتراضات من قبل الناشرين الإلكترونيين، معتبرينها ضربة موجعة للصحافة الإلكترونية التي تعاني أصلا من هشاشة مراكزها المالية، فضلا عن استحواذ "جوجل" و"فيس بوك" على نصيب الأسد من حصة الإعلانات المغربية، دون خضوعهما لأية محاسبة أو ضرائب.
ومؤخرا قرر مجلس النواب المصري فرض ضريبة على "جوجل" و"فيس بوك" لوقف نزيف الدولارات المتسربة من سوق الإعلانات إلى الخارج وضبط آليات السوق بإحداث مساواة بين من يعلن عن طريق "جوجل" و"فيس بوك"، ومن يعلن على المواقع الإلكترونية المحلية، كما تسعى الحكومة المصرية من وراء القرار لحصر النشاط الإعلاني وإرغام المواقع العشوائية غير المسجلة لتقنين أوضاعها والعمل وفق القانون وسداد الضرائب المستحقة عليها.
وطالب نواب البرلمان المصري بتوجيه جزء من حصيلة هذه الضريبة لدعم الجرائد القومية والحزبية والمستقلة التي تمر بظروف اقتصادية صعبة نتيجة تراجع التوزيع، وسطو "جوجل" و"فيس بوك" على قرائها وعلى حصتها من الإعلانات المحلية.