[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
نشط ميدان النشر والطباعة عند الجالية اليهودية، فقد تأسست المطبعة الأولى في بغداد من قبل موشي باروخ وذلك في سنة 1863م والتي طبعت فيها صحيفة (الناطق) و(ناطق المستقيمين) وظهرت في السنوات (1863-1871) وأسس حميم بن راؤبين مردخاي وشريكاه موشي واهرون فتيا مطبعة ثانية في سنة 1866م، وطبع فيها حوالي 55 كتاباً واستمرت حتى سنة 1882م وأسست مطبعة ثالثة في سنة 1888م من قبل الرباني شلومو نجور حصين واستمرت الى سنة 1913م وطبع فيها ما يزيد على السبعين كتاباً، وفي سنة 1904م أسس الرباني عزرا دنكور (والذي شغل منصب الرباني الاعلى في بغداد) مطبعة رابعة، واستمرت لفترة طويلة وطبع فيها حوالي 150 كتاباً، وأسس صيون عوزير مطبعة خامسة في سنة 1922م باسم (الوطنية الإسرائيلية) وطبع فيها حوالي 30 كتاباً وفي سنة 1924م أسس اليشع شوحيط مطبعة جديدة وطبع فيها حوالي 50 كتاباً.(تفاصيل ذلك في المطبعة العبرية في البلدان الشرقية) (لابراهيم يعري ج2 القدس 1940).
ولا شك اننا لا نمتلك تفاصيل الموضوعات التي كانت تتناولها تلك المؤلفات والبحوث التي تم التركيز على طبعها، ولو اهتم عدد من الباحثين في الجامعات ومراكز البحث العلمي ودرسوا مضامين وتوجهات النشر باللغة العربية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لتبين حجم وطبيعة التوجه الصهيوني المبكر الذي بدأ يخاطب العقلية اليهودية، ويهيء الكوادر المتعلمة منها في سبيل قيادة الطوائف اليهودية وتقبل الطروحات الصهيونية، التي توجها المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بال بسويسرا وبزعامة هرتزل عام 1897م، ونجد انه في العراق وحده قد تم نشر اكثر من خمسمائة كتاب يقول عنها ابراهام بن يعقوب ان اغلبها كانت كتباً دينية، وان هذا الرقم بالامكانات الطباعية انذاك وقياساً بعدد الجالية اليهودية في بغداد وبعض المدن العراقية الاخرى يعد رقماً كبيراً.
وانتشر اليهود في المدن الاخرى بالاضافة الى بغداد، فكانت هناك اعداد منهم في الرمادي ومدينة عانة خاصة كما سبق ذكر ذلك، والفلوجة وابو صيدا، وبهرز وبعقوبة فيها مجموعة يهودية قديمة، وخانقين ومندلي وشهربان، وفي مناطق الكوت والديوانية والمنتفك والعمارة في القلعة وعلي الغربي.
ومن المناطق الجديرة بالتوقف عندها، هي مدينة البصرة، فقد احرزت طائفة البصرة المرتبة الثانية بعد مدينة بغداد، وهذه الطائفة كانت غنية جداً واشتغل يهودها في التجارة والصناعة وكانت لهم علاقات تجارية مع بغداد وسوريا وإيران والهند واليمن، وغدت تجارتهم تتعاظم وترأس الطائفة (الصراف باشي) الذي كان يحاكم ويعاقب بالجلد المتجاوزين على امره.
في سنة 1813م وجدت في البصرة مئة عائلة يهودية وجميع افرادها يشتغلون في التجارة واصحاب اعمال ووكلاء وسطاء، وقد سيطروا سيطرة تامة على الحياة التجارية في المدينة، وفي سنة 1824م انخفض عددهم الى ستين عائلة، وما اصاب المدينة اصابهم، اذ مات الكثيرون منهم بالطاعون سنة 1831م وهرب عدد منهم الى خارج المدينة وكان الرحالة اليهودي بنيامين الثاني الذي مر ذكره سبق ان زار البصرة اثناء رحلته المشار اليها.
وانعكس افتتاح قناة السويس على تجارة العراق وبالاخص مدينة البصرة ميناء العراق الرئيسي، فنشطت تجارة يهود البصرة في استيراد وتصدير البضائع المختلفة واغتنوا غنى كبيراً، وكان ذلك بعد سنة 1870م، وفي عام 1881م ازداد عددهم الى الف نسمة وبعد اقل من ثلاثة عقود تضاعف عددهم، ونصل الى اول تعداد رسمي ليهود البصرة وكان عام 1920م اذ وجد فيها ستة آلاف وتسعمائة وثمانية وعشرون يهودياً.