[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
” لم يخرج الأميركان من العراق إلا بعد أن حصلوا على ما يؤكد قدرة العراق على البقاء وإمساك بغداد بالأطراف، إلا أن ما تلا كان محبطا ومثبطا للآمال بمعنى الكلمة، إذ راحت اللكمات تتوجه إلى بغداد تترى، وبلا توقف، درجة الوقوع في دوامة قد تبتلع العراق وأهله الآن وإلى الأبد، للأسف. جميع الإشارات الأميركية تدل على أن الإدارة الأميركية ستقتنع وتقنع الآخرين بتدخل جوي محدود،”
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
لامفر من الشعور الموجع بخطورة ما يحيط بالعراق من تحديات وجود، بل وحتى بموضوع بقائه دولة موحدة، والعياذ بالله من هذه المخاطر الكبيرة والمحدقة بهذا البلد الأمين حتى يوم وصفه رئيس وزرائه المرحوم نوري السعيد باشا بجملته المشهورة: "دار السيد مأمونة"!
لم تعد دار السيد مأمونة، درجة أن أوضاع العراق اصابت الأميركان بالغثيان ودول الجوار الإقليمي بسوء الهضم وربما بفقر الدم. وإذا كانت الإدارة الأميركية قد سحبت قواتها نهاية سنة 2011، متأكدة مما قدم لها من تطمينات بان القوات المسلحة وأجهزة الأمن المتنوعة قادرة على الإمساك بالبلد وحمايته من مخاطر القوى الإقليمية والأجنبية عامة.
أما أن تصرخ الحكومة العراقية: "الغوث..الغوث"، حاثة الأميركان على التدخل بعد حوالي سنتين من جلاء قوات البنتاجون التي كانت تحمي وحدة العراق وتمنع "توزيعه"، قطعاً، وعلى مختلف الجماعات والقوى، فان في هذه المفاجأة مايبرر إصابة أوباما بالدوار لإستنشاقه ابخرة النفط المتصاعدة من حقول "بابا كركر" الغزيرة التي يتقدم إليها الإسلاميون الجدد (داعش) بخطى حثيثة على أمل إيجاد موطيء قدم لهم في قلب إقليم يغلي على آنية نفطية مهولة، إذا تفجرت، تفجر العالم بأسره معها!
لم يخرج الأميركان من العراق إلا بعد أن حصلوا على ما يؤكد قدرة العراق على البقاء وإمساك بغداد بالأطراف، إلا أن ما تلا كان محبطاً ومثبطاً للآمال بمعنى الكلمة، إذ راحت اللكمات تتوجه إلى بغداد تترى، وبلا توقف، درجة الوقوع في دوامة قد تبتلع العراق وأهله الآن وإلى الأبد، للأسف. جميع الإشارات الأميركية تدل على أن الإدارة الأميركية ستقتنع وتقنع الآخرين بتدخل جوي محدود، الأمر الذي يلقي بالشكوك على صواب قرار إجلاء القوات الأميركية والإصرار عليه قبل حوالي ثلاثة أعوام، بوصفه قراراً متعجلاً مبتنى على خيال مفاده أن الدولة المحتلة يمكن أن تحافظ على نفسها بعد إحتلالها وإستباحتها، بدليل التداعيات التي تلت وألمت بالشعب العراقي الذي تشرد نصفه، ولم يزل من لم يتشرد يحيا في "مدن الخوف"، حيث غدت الحياة غير قابلة للعيش والتواصل: بلا خدمات ولا كهرباء ولا ماء، في بلد ينبغي أن يستحم ابناؤه بالبنزين ويتعطروا بالكازولين! هذه هي مدن الخوف حيث لا أثر للأمن والأمان، للمحبة والتقدير. لك رحمة الله، حياً، ياشعب العراق.
يشكل العراق اليوم لغزاً تاريخياً عصياً على الحل لأنه أما ان "يكون" أو "لا يكون". التاريخ يشير إلى الجواب الأول ولا يشير الحاضر أو المستقبل إلى الجواب الثاني.