[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
ما يحسب للنجاح في مهمة التصدي للفساد أن تكون هناك لجان قضائية, لا تترك للوقت والضغوط السياسية أن تملي شروطها, وأن يتم التركيز على (العرابين الكبار) مقدما, تماما كما ينشغل صيادو الأفاعي في التركيز على مسك رؤوسها, لأن الانشغال (بالذيول) يتيح الوقت لتلك الرؤوس أن تبث سمومها على عجل..


لأنهم ضمن شبكة محكمة النسيج وفي أسبقية لا تعرف إلا الإطباق على (الغنيمة), ولأنهم يملكون أصابع تستطيع التغلغل والمراوغة في أكثر من اتجاه واحد, ولأنهم أيضا يخضعون لأولويات يكون أساسها السطو على الأموال السائبة أولا ومن ثم يكتسبون خبرة الإيغال نحو الأموال الأبعد، ويجعلون لهم روادا ومريدين وحاشيات تسهر وتتمنطق بالنزاهة ونظافة اليد في أغلب الأحيان, لأنهم كل ذلك, يظل الحديث عن الفساد وعن إمكانية ملاحقته, أحد التوجهات التطبيقية المحفوفة بالكثير من التذبذب والمراوحة, إلا إذا كان التصدي حاسما وتحت ضغط حس أخلاقي تشارك فيه كل الفعاليات المجتمعية بدون استثناء, وأن تكون هناك خطة على الطاولة بتوقيتات وحيثيات تحقيقية متواصلة في مواجهة وسائل تضليل وافتراء وتشاطر لتأثيث الخراب.
لا تنتظروا أن يتطوع فاسد في بلدان عربية ويعترف بالصوت والصورة أنه خان أمانة المسؤولية ويضع نفسه بتصرف الجهات القضائية, وأنه مستعد أن يعيد ما سرقه إلى خزينة الدولة من أجل أن يريح ضميره وينتصر لشرفه.
لا تنتظروا فاسدا يكف عن سرقاته ويعف عن سلوكه الشائن لمجرد أن حكومة ما لوحت بتنظيم حملة على الفاسدين، وأنه يرغب في كسب الوقت والإفادة من فرصة تخفيف الحكم عليه إذا اعترف طوعا من ذاته قبل إجراءات تحقيق معه؛ فالعزة بالإثم صارت منهجا.
لا تنتظروا أو تعتقدوا أن فاسدين يضعون أنفسهم تحت سقف حملات تطهيرية بدون أن تكون أفعالهم في ذلك مجرد مناورات يحاولون من خلالها تغيير مسار الإجراءات باتجاهات خاطئة، وهذه هي أحد (الأسلحة) المستخدمة التي تكونت لها منصات اجتماعية وسياسية وأمنية أيضا, ولذلك أن يقول رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي إنه سيحارب الفساد والفاسدين إلى النهاية حتى وإن كلفه ذلك حياته, فهو بهذا إنما يعترف كم هو حجم تلك (المنصات) التي يملكها الفاسدون, وقد حصل ما يؤكد هذا القول. إذ إن موظفين عراقيين نزهاء وضعوا أيديهم على جرائم فساد وكشفوا عنها وكلفهم ذلك حياتهم في عمليات قتل تكررت خلال السنوات الخمس الأخيرة, وبذات الاتجاه أيضا أن يعلن رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز عزمه على محاربة الفساد، ويختصر ذلك بالقول إنه (داخل على هذا الموضوع كانتحاري) فهو لا شك يملك عددا من المعطيات التي تشير إلى صعوبة المهمة في هذا الشأن, والعينة الميدانية الأقرب عند معالجته لقضية السجائر المغشوشة خلال الأيام القليلة الماضية وتشعب هذه القضية.
هكذا, لا العبادي, ولا الرزاز يملكان مفاتيح جاهزة للتصدي إلى الفاسدين, ولكن تبقى المراهنة على الجهد الاستخباري الصامت وإبعاده من المداولات الإعلامية التقليدية, والكف عن لعبة الانتظار حتى تنضج (الثمرة).
ما يحسب للنجاح في مهمة التصدي للفساد أن تكون هناك لجان قضائية, لا تترك للوقت والضغوط السياسية أن تملي شروطها, وأن يتم التركيز على (العرابين الكبار) مقدما, تماما كما ينشغل صيادو الأفاعي في التركيز على مسك رؤوسها, لأن الانشغال (بالذيول) يتيح الوقت لتلك الرؤوس أن تبث سمومها على عجل، وعندها يحصل الاختلاط وتتوالد مضاعفات غير محسوبة قد تودي بحياة (الصيادين).
وتقتضي مهمة التصدي للفساد أيضا تقديم سيرة إعلامية موثقة عن آخر المستجدات بشأن القضايا التي تم وضع اليد عليها, ليكون ذلك بمثابة رد بنيوي على كل المحاولات التي تهدف إلى إثارة الشبهات على التحقيقات.
وما دام الأمر يتعلق بالتصدي, فإن من مستلزمات الردع القضائي أن لا يخضع لأية إمكانية للعفو إلا إذا جاء الاعتراف طوعا وإعادة كل المسروقات المالية إلى خزينة الدولة, لأن من الشواهد المرة المتداولة عراقيا أن إمكانية العفو عن المذنبين في هذا الميدان تظل قائمة, وهناك عشرات من لصوص المال العام قد حظوا في فرص من هذا النوع مع الأسف تطبيقا جائرا لمقولة (عفا الله عما سلف).